الاثنين، 30 مايو 2022

مذكرة في اللسانيات الاجتماعية (الفصل الخامس)

 

 (الفصل الخامس) مذكرة في اللسانيات الاجتماعية

د. إسماعيل ونغو برزي

علم اللغة الاجتماعي:

السوسيو ألسنية، أو علم الاجتماع اللغوي يندرج تحت علم اللغة الاجتماعي العام، وهو بحث ألسني موسع، يتطرق إلى قضايا اللغة في إطار المجتمع، ويدرس خصائص اللغات واللهجات، وخصائص استعمالها، وخصائص متكلميها داخل المجتمع اللغوي الواحد، وفيما بين المجتمعات اللغوية المختلفة.

وهذه الخصائص تتغير فيما بينها، وتؤثر بعضها في بعض، وتعالج أيضا العلاقة القائمة بين البنى اللغوية والاجتماعية المختلفة وتفاعلها والأوضاع الاجتماعية العائدة إلى المتكلم والمستمع ووقائع التواصل وأنماط الكلام المستعمل في الطبقات الاجتماعية؛ فاستعمال اللغة في المجتمع يترتب على نظام السلوك الاجتماعي، وتنوعها تبعا لمن يتكلمها، ونسبة إلى اللغة أو اللهجة التي يتكلمها، والذي يتكلم معه والغاية التي يهدف إليها في كلامه، وموقفه من اللغة ومن الظرف الكلامي.

أهميته:

تطمح السوسيو- ألسنية إلى إيجاد حلول للمشكلات اللغوية في المجتمع، ويشير فيشمان إلى أهميته الخاصة التي يتميز بها هذا الموضوع التالي:

1.  عندما يتوجب تطوير لهجات معينة بهدف جعلها عاملة وسط محيطات جديدة.

2. عندما يتوجب تدريس العدد الكبير من الجماعات البشرية للغات لا يعرفوها، لكي يكون بمقدورهم التعامل بواسطتها مع محيطهم الجديد(ميشال زكريا)

مجالاته: 

1. يسهم في تطوير الدراسة اللغوية، وتحسين أساليب تعليم اللغات المختلفة واللهجات المتصلة بها، وذلك في ضوء نتائج بحوث أمبريقية على كافة المجتمعات، ومعرفة أنسب الطرق لتعلم لغاتها ولهجاتها.

2. يمكن الاستفادة منه في الكشف عن العوامل الاجتماعية؛ لتطوير اللغة كظاهرة اجتماعية والتي تشمل الخصائص العقلية للأمة والسمات الشخصية القومية أو الأثنية، والعوامل المؤثرة في عملية انتقال اللغة من السلف إلى الخلف، ومدى التأثير اللغوي خلال عملية الاحتكاك.

3. يساعد على دراسة اللغة وتفريعها إلى الفصحى و العامية، ودراسة اللهجات المختلفة (الاجتماعية والمحلية) و في تحديد العلاقة بين الفروع، وغربلة التراث اللغوي لمعرفة الألفاظ الدخيلة التي تسربت إلى اللغة من اللغات الأخرى في محاولة لمساعدتها على مواجهة الغزو الثقافي، والصراع اللغوي.

4. توجيه العلماء والمفكرين والأدباء إلى نقاط الضعف والانحلال التي تطرأ على اللغة الفصحى، بوصفها لغة الأدب  والفكر للمحافظة عليها والارتقاء بها من خلال تشجيع الحركات الأدبية والفكرية والثقافية في الانفتاح على الثقافات الأخرى، والارتقاء بها يتلاءم فيها مع التراث الثقافي في الوطن لكل أمة بما يحفظ عليها أصالتها، وتحديثها في نفس الوقت بصورة متوازنة، أي ما يحقق التوازن بين الأصالة  والمعاصرة للغة.

5. الاستفادة من نتائج البحوث الميدانية في علم اللغة الاجتماعي فيما يتعلق بالصراع اللغوي، التي تعمل على إعادة إحياء اللغات الوطنية من خلال التخطيط اللغوي للدول المستقلة حديثا، في أعقاب محاولات الاستعمار الطويلة للقضاء على اللغة الوطنية واستبدالها بلغة أجنبية في محاولة لمحو هوية الأمم التي استعمرها.

6. يساعد المجاميع اللغوية في  طرح ما تقره من مفاهيم لغوية جديدة عن ترجمتها لمصطلحات حديثة عن لغات أجنبية مثل الحاسوب، كترجمة كلمة COMPUTER الإنجليزية والعمل على تسويق مثل تلك المصطلحات الجديدة، وتهيئة الناطقين باللغة المترجم إليها لتقبل بتلك المصطلحات.

7.  تنبيه علماء اللغة للأخطاء اللغوية الشائعة بين المتحدثين  والمستخدمين للغة لفظا ونحوا وإملاء، للعمل على تداركها  خلال عملية تعليم اللغة.

8. توجيه اهتمام المشتغلين بالدراسات اللغوية إلى أهمية علم الأطالس اللغوية المختلفة وإلى تصنيف المجال الجغرافي للأمة؛  لمعرفة عدد المناطق اللغوية، وتفريع اللغة إلى لهجات محلية متعددة أو لهجات اجتماعية متمايزة تفيد الباحثين في الدراسات اللغوية، وعلم اللغة الاجتماعي.

بعض مصادر اللسانيات الاجتماعية

الانتروبولوجيا في دارسة اللغة: Anthropologie

الانتربولوجيا: هي الإناسة، أو علم يبحث في أصل الجنس البشري وتطوره وأعراقه وعاداته ومعتقداته.

ويهتم بدراسة اللغة باعتبارها عنصرا هاما من عناصر الثقافة في أي مجتمع، وقد أدى إلى تطوير dl[jluklllllllll

 الدارسة اللغوية، ودراسة آثار ما قبل التاريخ. إذ نال اهتمام المدرسة الأمريكية، وعليه فإن الثقافة ظلت هي الموضوع المحوري له.

 قام العالمان  Cluckhohn و  Kruperبفحص ما يزيد على مائة تعريف من تعريفات  الثقافة، وانتهيا إلى أن هناك خلطا شائعا بين التعريفات، فخلصا إلى هذا التعريف: هي الإرث الاجتماعي الذي يشمل على جميع مخططات الحياة الاجتماعية التي تنتقل من جيل إلى آخر، ويشتمل على جميع المخططات الصريحة والفنية المحسوسة وغير المحسوسة، التي تعمل كموجهات للسلوك الإنساني في المواقف الاجتماعية المختلفة.

وكما يرى هذا العلم أن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على نقل الثقافة بفضل تعلم اللغة، واستخدامها لنقل التراث الإنساني عبر الأجيال المختلفة، وتفوقه على كافة الكائنات الأخرى كالحيوانات وغيرها.

وقام العالمان Kelog وزوجته بتجربة هامة عندما أحضرا قردا شمبانزيا، وقاما تربيته مع ابنهما، فقدما لهما نفس الأطعمة و المشروبات لإشباع احتياجاتهما البيولوجية، ووجدا أنهما يشتركان في كثير من الصفات في الشهور الأولى عند التعبير عن احتياجاتهما المختلفة بالبكاء والصراخ، ولكن الشمانزي تفوق على الطفل الوليد في تلك الشهور بقدرته على الحركة والجري والقفز، وبدا تكيفه مع الحياة بطريقة أفضل من الطفل؛ ولكنه  سرعان ما بدأ الطفل في تعلم اللغة حتى تفوق كثيرا على الشمبانزي، إذا استطاع من خلال اكتسابه للغة أن يتعلم خبرة الأجيال السابقة حيث انتقلت إليه الثقافة بتراثها السابق واللاحق لتحقق له السبق على الشمبانزي بينما ظل الحيوان جامدا عند حد معين، لأنه لا يقدر على تعلم اللغة، لذا ظل تعلمه قاصرا على التجربة والخطأ من خلال المواقف التي يمر بها.

أثنو- لسانية:Ethnolinguistique

أو اللسانيات أجناسية، وهو مبحث في سلالات اللغوية بوصفها تعبيرا عن حضارة الشعوب.

يولي هذا العلم اهتمامه بدراسة ثقافة الشعوب دراسة مقارنة بالتركيز على دراسة دور اللغة في التواصل بين الأجيال في نقل التراث الثقافي من جيل إلى آخر.

ويهتم أيضا بدراسة اللغة بصورها المختلفة الفصحى والعامية واللهجات المتعددة التي تتفرع عنها لمعرفة أوجه الشبه والاختلاف في التراكيب اللغوية في الثقافات المتعددة، وكذلك أثر الثقافة في كل مجتمع على اللغة، وتأثير اللغة في الثقافة، أي دراسة التفاعل بين اللغة وعناصر الثقافة الأخرى ومقارنتها بين الثقافات المختلفة.

ويفرق علماء الانتروبولوجيا بين الدراسات الاثنوجرافية للغة التي تعنى بدراسة اللغة كظاهرة اجتماعية، دراسة أفقية في سائر أنحاء المجتمعات، وهي بذلك دراسة أفقية مقارنة مع المكان، وبين الدراسة الأثنولوجية للغة، وهي دراسة رأسية بوصفها عنصرا من الثقافة، تتم بطريقة مقارنة في الزمن، أي عبر الأزمان المختلفة، وبذلك فإن مدخل اثنولوجيا اللغة يتيح للباحثين والعلماء دراسة شعوب العالم الحالية، والشعوب التي بادت؛ لتكون لدينا القدرة على دراسة التشابه والاختلاف في الملامح البشرية من حيث اللغة والثقافة مما يمكننا من تصنيف الشعوب على أساس اللغة  والثقافة والأجناس.

الثنائية والازدواجية

تعريف الثنائية: هي حسب Marouzeau الوضع اللغوي لشخص ما أو لجماعة بشرية معينة تتقن لغتين، وذلك من دون أن تكون لدى أفرادها قدرة كلامية مميزة في لغة أكثر مما هي في اللغة الأخرى.

أو الحالة اللغوية التي يستخدم فيها المتكلمون بالتناوب وحسب البيئة والظروف اللغوية، لغتين مختلفتين.

وقد أورد ميشال زكريا عشر تعريفات، بيد أننا نلاحظ في التعريفين، ضرورة وجود لغتين تتعايشان، لكي تكون هناك ثنائية لغوية. وعليه، ينبغي التطرق إلى التمييز الذي أسسه النظرية التوليدية التحويلية بين الكفاية اللغوية والأداء الكلامي، أما الكفاية اللغوية: فهي المعرفة الضمنية بقواعد اللغة التي تتيح إنتاج الجمل، وهي مكتسبة في مرحلة الطفولة، وخلال نمو الطفل، وترعرعه في البيئة الطبيعية. أما الأداء الكلامي: فهو تمظهر هذه الكفاية اللغوية في الأفعال الكلامية، أي استعمال هذه المعرفة في عملية التكلم.

وعلى ضوء هذا التمييز نستنتج: أن تعريف الثنائية اللغوية من حيث إنه يملك بشكل أساسي كفاية لغوية في لغتين، التي تكثر لدى الأفراد الذين ولدوا نتيجة زواج بين شخصين ينتميان إلى مجتمعين لغويين مختلفين، أي (لغة الأم ولغة الأب)  اللتان تمثلان لغتي الأم. 

أما الازدواجية فهي استعمال طبقي بين لغتين أو لهجتي اللغة الواحدة، مثل الطبقية بين الفرنسية والبمنان والفلانية...إلخ.

أنواع الثنائية اللغوية:

1. الثنائية اللغوية على صعيد الوطن:

في هذه الحالة تنجز الدولة أعمالها بأكثر من لغة، وتكون مؤسسات الدولة ثنائية اللغة بقدرما تؤمن خدماتها بالذات بأكثر من لغة واحدة. وتتفاوت مظاهر الثنائية اللغوية على صعيد الدول بين اعتراف الدول بحقوق الأقليات اللغوي وعكسه.

2.  الثنائية اللغوية الإقليمية أو المحلية:

تكون لغة أخرى غير اللغة القومية رسمية، أو محكية ليس على صعيد الدولة، وإنما فقط على امتداد منطقة جغرافية محدودة، كما هو الحال بالنسبة للهجة الألمانية في الألزاس.

3.  الثنائية اللغوية الخاصة بالأقليات العرفية:

هذه الثنائية اللغوية قائمة لدى الأقليات العرقية في بلدان تهدف سياستها اللغوية إلى استيعاب الأقليات العرقية في الثقافة القومية، كما هو الحال في غالبية بلدان أمريكا اللاتينية.

4.  الثنائية اللغوية المؤسسية:

تعتمد لغة كوسيلة لبعض النشاطات بحيث يكون بإمكانها أن تصبح لغة مشتركة للتجارة أو التعليم أو الإدارة أو الممارسات الدينية، كما هو حال اللغات الأوروبية في بعض الدول الإفريقية.

الفرنكوفونية:

هي فكرة طرحها بعض رؤساء الدول الأفريقية الناطقة جزئيا باللغة الفرنسية، وخاصة  ليوبولد سنغور، والحبيب بورقيبة سنة 1946، وأيد فرنسا هذه الفكرة عبر إنشاء اللجنة العليا للدفاع عن اللغة الفرنسية، سنة 1966.

ويشمل مفهوم الفرنكوفونية عدة حالات لغوية متباينة هي:

1ـ حالة تكون اللغة الفرنسية الأكثرية المطلقة كما في فرنسا.

2ـ حالة تكون اللغة الفرنسية اللغة الرسمية الوحيدة، ولكنها تتعايش مع لغات أخرى، كمالي و السنغال...

3ـ حالة تكون اللغة الفرنسية إحدى اللغات الرسمية كما في بلجيكا و كندا وسويسرا و مدغشقر....إلخ.

4ـ حالات لغوية تكون لغة البلاد القومية اللغة الرسمية، ولكن يستمر تعليم جزء من المواد المدرسية والجامعية باللغة الفرنسية كما في المغرب العربي.

ونستنتج من هذا أن الدول المنخرطة في هذه المؤسسة، ينطق أهلها باللغة الفرنسية، ولكن السؤال الذي يجب طرحه: كم عدد الماليين الذين ينطقون اللغة الفرنسية؟ وهل ساعدت في مكافحة الأمية؟ 

و الواقع، أنه قد حدد بعض المتخصصين عدد الناطقين   الحقيقيين بها في 4% ، إذا صح ذلك، فأنها لم تفد شيئا في مكافحة الأمية؛ ونتيجة لهذا الظلم  نجد عالميا، بل وحتى في بعض الدول الفرنكوفونية، أن الفرنسية أضحت تخسر حاليا مقابل الإنجليزية التي تتقدم سرعة في هذا المجال.

الثنائية اللغوية في مالي:

إذا أردنا الخوض في هذا الموضوع، يجب استعراض السياسة اللغوية لمالي، ذلك أننا إذا ألقينا نظرة على القانون الأساسي لمالي، لرأينا أنه لا يتوفر على سياسة تشريعية LEGISLATION للغاتها عدا المادة الثانية، والخامسة والعشرين من قانونها؛ وتنص على مايلي:

المادة (25) "الفرنسية هي اللغة التعبيرية الرسمية، يحدد القانون طريقة تأهيل وترسيم اللغات المحلية".

المادة (2) "كل مالي يبقى حرا متساويا في الحقوق والواجبات، ويحظر أي تمييز عنصري مستند إلى القبلية أو اللون أو اللغة أو عرف أو جنس أو دين أو معتقدات سياسية."

وعلى ضوء هاتين المادتين تشرع كل القوانين و القرارات والنقاشات البرلمانية باللغة الفرنسية؛ بيد أنه  في المستشفيات  والمحاكم... يسمح التواصل باللغات الوطنية.

الصراع اللغوي

هو حالة متطرفة من المنافسة بين لغتين أو أكثر للتنازع على البقاء، وسعي كل منها لتحقيق السيطرة والغلبة على اللغات الأخرى بكافة الطرق والأساليب نتيجة للاحتكاك اللغوي، ويحتاج هذا الصراع لفترة طويلة قد تمتد إلى عدة قرون من الزمان، وعادة ما ينتهي هذا الصراع إلى أحد أمرين:

1- انتصار لغة على أخرى انتصارا ساحقا، وهزيمة اللغة الأخرى، بل وانقراضها وتعرضها للاندثار، نتيجة لاحتلال للغة المنتصرة محلها.

2- هو حدوث حالة من التعادل بين اللغتين المتصارعتين، حيث تتعايش اللغتان جنبا إلى جنب، ويستمر الناس في التحدث بأي منهما دون أن يتحقق انتصار لاحداهما على الأخرى.

ولكنه من المسلم به أنه لا يمكن لأية لغة أن تخرج من الصراع اللغوي دون أن يتأثر قاموس مفرداتها اللغوية بنتائج هذا الصراع حتى في حالة التعادل، فإن مفردات كل منهما يصيبها نوع من التحريف والتدمير أو التسرب إلى لغة أخرى.

عوامل الصراع اللغوي وأسبابه

للصراع اللغوي مجموعة من العوامل التي يمكن إجمالها فيما يلي:

1- نزوح عناصر أجنبية إلى الأمة تنطق بلغة غير لغة أهلها:

تحدث عملية النزوح نتيجة لهجرة السكان من بلد إلى آخر سواء كانت هذه الهجرة دائمة أو مؤقتة، أو أعقاب استعمار أو غزو، حيث تدخل اللغتان في عملية صراع لغوي تنتهي بعد فترة من الزمن إلى أحد الأمرين:

· إما أن تنتصر أحدهما على الأخرى، ويتم حسم الصراع بتسيد لغة على أخرى، وتحقق الهيمنة والغلبة لها.

· أن ينتهي الأمر بهما إلى عدم تمكن أحدهما من تحقق النصر  الحاسم على اللغة الأخرى، فتحدث عملية معايشة لكل منهما جنبا إلى جنب بعد أن تأثر كل منهما ببعض التحريف اللغوي، إلا أن الألسن تظل تنطق بكل منهما.

بيد أنه يجب الانتباه إلى أن عملية الصراع  اللغوي لا تظهر آثارها ونتائجها في وقت قصير، بل إنها تحتاج إلى زمن طويل يمتد لعشرات السنين.

ومن الأمثلة على ذلك الصراع اللغوي بين اللغة النورماندية للفرنسيين الفاتحين و بين لغة الانجليز السكسون في القرن 19، وكذلك ما حدث  في اللغة العربية الغالبة للغات قبطية والبربرية، كما تتأثر اللغات المتصارعة ببعضها البعض، حيث تأثرت اللغة اللاتينية بالإغريقية في أساليبها وآدابها، وأثرت اللغة العربية تأثيرا قويا في اللغتين الأسبانية والبرتغالية في الأندلس حيث دام حكم العرب تسعة قرون، وقد حدد علماء الاجتماع الأوضاع التي تساعد اللغة الغالبة على تحقق انتصارها في الصراع اللغوي على النحو التالي:

1- أن تكون ثقافة الغالب وحضارته أرقى من ثقافة وحضارة الشعب المغلوب، وأن تكون أقوى منه سلطانا وأوسع نفوذا.

2- أن تكون اللغتان المتصارعتان من شعبة أو فصيلة لغوية  واحدة أو من شعبتين متجاورتين.

3- أن تكون لغة الغالبة جالية كبيرة العدد والنفوذ، تعمل على نشر ثقافتها.

4- بقاء اللغة الغالبة زمنا كافيا، مع استمرار قوتها ونفوذها، يؤدي إلى حسم الصراع اللغوي لصالحها.

وينال اللغة الغالبة كثيرا من التحريف، في أصواتها ودلالاتها وأساليب نقلها من صورتها الأولى، ويصل هذا البعد إلى أقصى درجاته، إذا كانت اللغة المقهورة من فصيلة لغوية أخرى غير فصيلة اللغة الغالبة.

وكما تمر اللغة المنهزمة في الصراع اللغوي في طريقها إلى الانقراض بعدة مراحل:

1- تنهال اللغة الغالبة على المقهورة بطائفة كبيرة من مفرداتها، فتوهن متنها الأصلي، وتجرده من كثير من مقوماته...ولكن تلك اللغة المغلوبة تظل في هذه المرحلة متحفظة بقواعدها ومخارج حروفها وأساليب نطقها.

2- تتسرب إلى اللغة المغلوبة أصوات اللغة الغالبة ومخارج حروفها وأساليبها في النطق، وتعد هذه المرحلة من أخطر مراحل الصراع اللغوي.

3-  تنهار مقاومة اللغة المغلوبة شيئا فشيئا حتى تأخذ قواعد اللغة الغالبة، في فرض هيمنتها الكاملة عليها بإحلال تخيلاتها واستعاراتها ومعانيها المجازية، ثم يتحول الناس عنها لتنطق كل الألسن باللغة الغالبة.

2- تجاور شعبين مختلفي اللغة

يؤدي تجاور شعبين مختلفي اللغة إلى احتكاك لغوي، وفي صراع لغوي ينتهي عادة إما بانتصار أحدى اللغتين وتغلبها على اللغة الأخرى، أو تحدث عملية تعادل لغوي، تنتهي إلى تعايش كل من اللغتين جنبا إلى جنب. وتساعد الأوضاع التالية تحقق الانتصار لأحدى اللغتين:

1- زيادة عدد السكان وانتقاله من بين البلدان المتجاورة، وارتفاع النمو الديموغرافي وارتقاء الثقافي وهذه العوامل تساعد  على الانتصار، كانتصار اللغة الألمانية على اللغات المتعددة في كل من سويسرا ونمسا، فعمت معظم وسط أوروبا.

2- تغلب لغة الإقليم أو المنطقة التي توجد بها العاصمة على غيرها من اللغات.

3- الحرب الطويلة المدى بين شعبين أو أكثر مختلفة اللغات

يؤدى الدخول في حرب طويلة المدى بين شعوب مختلفة اللغات إلى الاحتكاك اللغوي وانتقال عديد من المفردات اللغوية أو اللغات الأخرى المشتركة في الحرب، ومن الأمثلة على ذلك الحروب الصليبية؛ حيث ساعدت على نقل كثير من مفردات اللغة العربية إلى العديد من اللغات الأوروبية، وبخاصة إلى اللغة الفرنسية، كما تأثرت العربية بعدد من الكلمات في اللغات الأوروبية.

4- توطيد العلاقات الاقتصادية والثقافية بين شعبين مختلفي اللغة

يؤدي توطيد العلاقة إلى نوع من التبادل في المفردات اللغوية لفظا وكتابة، ونتيجة للاحتكاك اللغوي بين مختلفي اللغات، تبدو فعاليات هذا العمل بشكل خاص في العصر الحاضر بعد أن دخل كثير من الشعوب رغما عنها تحت تأثير الغزو الثقافي من ناحية الاتحاديات الدولية لتكوّن الأسواق الاقتصادية الموحدة، كالسوق الأوروبي المشترك وسوق اتحاد عملة غرب إفريقيا.

وكما ناقشنا في هذه المحاضرة ظاهرة الصراع اللغة بمالي، وطرحنا مجموعة من الأسئلة، منها هل هذه الظاهرة اللغوية موجودة في الساحة اللسانية بمالي، إذا كان الجواب بنعم ما تجلياتها على اللغات الوطنية، ما تلك اللغات الغالبة والمنهزمة بمالي، وأنهينا بوضع خريطة لسانية تحدد كل ذلك.

التخطيط اللغوي

لقد أورد عفيفي في كتابه علم الاجتماع اللغوي  كثيرا من التعريفات، تصل إلى عشر تقريبا، ومن أهمها، تعريف وينشتين (1980) الذي يرى أن التخطيط: مصطلح حكومي سلطوي طويل المدى، بوصفه جهدا واعيا لتغيير اللغة ذاتها، أو لتعديل وظائفها في المجتمع؛  بهدف حل مشكلات الاتصال و التواصل بين الأفراد.

والواقع أن التخطيط الألسني ككل تخطيط، نشاط يتم خلاله، وضع الأهداف واختيار الوسائل، والتكهن بالنتائج بصورة واضحة ومنظمة، ويتركز التخطيط اللغوي على المشكلات اللغوية من خلال اتخاذ القرار بالنسبة إلى الأهداف البديلة والخيارات، لإيجاد الحلول فيما يتعلق بهذه المشكلات، وقد تتسع لائحة المشكلات وتعترض بلداننا، نذكر منها:

· وضع القواميس للكتابة الصحيحة والكلام الجيد.

· قدرة اللغة على أن تكون أداة الإبلاغ الفردي والعلمي.

· اختيار لغة التعليم.

· التنافس بين اللهجات، والارتقاء بلهجة إلى مرتبة اللغة الرسمية.

· المحافظة على التوازن بين مصلحة الدولة ومصلحة الأفراد في المجال اللغوي.

أبعاد التخطيط اللغوي:

إن التخطيط الألسني ككل تخطيط  يتطلب دراسة الاحتياجات والأهداف والوسائل ووضع خطط العمل وتقييمها، والالتزام بالخيار المناسب، وتنفيذ الخطط، ومراقبة النتائج؛ لذلك ينبغي على المسئول عن التخطيط، أن يلم بقضايا اللغة في المجتمع قبل البدء بعمله، وأن يتحرى عن المشاكل الألسنية، وأن يدرس العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية التي تتداخل مع المسألة اللغوية في المجتمع، فالقرار الواجب اتخاذه هو قرار الألسني أو السوسيو- الألسني، الذي يتفاعل مع القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية، وبعد اتخاذ القرار لابد من توضيح الخطط لإقناع المعنيين بتقبلها وجدواها وفعاليتها، وذلك لتأمين تعاون الجميع لتحققها.

وينضاف إلى ذلك أن تسلم الدولة التخطيط في المجال اللغوي لا يقدم الضمانة الأكيدة في أن التخطيط سيؤدي إلى نتائج مرغوبة فيها، ومحاولة الحكومة الايرلندية في إحياء اللغة الايرلندية غيليك  Gaelic هي خير مثال على فشل السياسة الحكومية، مما يدفعنا إلى القول إن النجاح في السياسة الألسنية يعود أيضا إلى عوامل مجتمعية، تساعد في إنجاح التخطيط الحكومي، أو إفشاله.

وغني عن الذكر أن الدولة بمقدورها أن تدعم سياستها الألسنية إذ بإمكانها أن تلزم المواطنين، وذلك تحت طائلة المسئولية، بالاستجابة بصورة إيجابية لتخطيطها، كما جرى في تركيا عندما منعت السلطة النشر بالحرف العربي، وحولت الكتابة إلى أحرف لاتينية.

ونستنتج فيما سبق أن التخطيط اللغوي الألسني، يستلزم الاختيار الصحيح بين خيارات متعددة، ويهدف إلى حل المشكلات، بالتالي يساعد المسئولين على اتخاذ القرار المناسب للمشكلات اللغوية التي تعترض المجتمع.

ربط التخطيط بالسياسة الألسنية:

سبق أن قلنا إن السلطة تحاول عبر التخطيط الألسني إيجاد الحلول المناسبة للغة، ويؤكد ذلك ما قامت به بعض الحكومات:

· حاولت حكومة "تيتو" في يوغوسلافيا فصل اللغة المسدونية عن اللغة الصربية وعن اللغة الكرواتية.

· قام الحكم الروسي بدعم اللغة الروسية، وتبني الأحرف الروسية في الكتابة.

· سعى الحكم الصيني إلى حل مشكلة الكتابة بواسطة رموز لكتابة اللغة الصينية، وساهم أيضا في إيجاد حلول تبسيط تدريسها.

· في النرويج أولت الحكومة اهتماماتها بالتقريب بين اللغتين النرويجية و الدنمركية.

· وفي مالي دعت الحكومة إلى سياسة إعادة الاعتبارrevalorisation  للثقافة الوطنية، وتعليم الأميين اللغات المحلية، واستعمال اللغات المحلية في النظام التعليمي...إلخ.

المسألة الألسنية في الوطن الواحد:

لابد هنا أن نتوقف عند المسألة الألسنية، ذلك أن اللغة عامل أساسي في بناء الأوطان، وفي توحيد الأفراد، وفي الالتزام المجموعات بالوطن، وتقوي الشعور  بالانتماء إلى الوطن، وتنمي الحاجة إلى التعاون بين المواطنين، وتربط الفرد بأجداده وبتراثه وبتقاليده، وتساعد في تطوير النظام التعليمي، بحيث تتاح للجميع فرص التعلم.

لقد راعى رجال السياسة أهمية هذه المسألة في قيام الدولة، إذ أشار إلى ذلك بوضوح فخته  Fichte عندما أكد  أنه حيث توجد لغة مختلفة توجد دولة مختلفة لها الحق في أن تدير شؤونها... وفي أن تحكم ذاتها.

وتجدر الإشارة إلى أن محادثات السلام في فرساي عقب الحرب العالمية الأولى، قد حددت حدود الدولة على أساس اللغة، ومما لا شك فيه أن تحديدها هذا راعى أيضا مصلحة الدول المنتصرة؛ لذا فقد حث موسولين الإيطاليين على الهجرة إلى جنوب التيرول Tyrol، وذلك لكي يستطيع أن يطالب بهذه المنطقة بصورة شرعية، كما استند هتلر على العامل اللغوي عندما طالب بضم النمسا والألزاس وبولونيا، كما ساند ديغول مطالبة أهالي الكبيك بالاستقلال عن كندا.

أما إذا ألقينا نظرة على اللغات الإفريقية  فتظهر الخريطة الألسنية فيها أن عدد لغاتها، تتراوح ما بين 1250 إلى 2000 ، حسب المقاييس التي تحدد وفقها، على أن 75% من هذه اللغات تنتمي إلى إحدى العائلتين اللغويتين نيجر- كونغو، و أفرو- أسيوية، كما أن البلاد الأفريقية تعيش حاليا وضعا لغويا معقدا هو حصيلة الفتوحات  والاحتلالات والهجرات والصراعات التاريخية التي مرت بها القارة الإفريقية، ولكثرة لغات العالم، فإن عددها تظهر أن اللغات المحكية تبلغ أكثر من 30 مرة عدد البلدان التي بإمكانها استيعابها، وإذا لاحظنا توزيع هذه اللغات، تبين لنا أن غالبية بلدان العالم تمتلك أكثر من لغة واحدة.

وإذا ألقينا نظرة على التخطيط الألسني على أغلب بلدان العالم، تبين لنا غالبا أنها تأخذ أحد الاتجاهات الثلاثة التالية:

محاولة إزالة كل اللغات باستثناء لغة واحدة، وهي التي تصبح اللغة القومية الرسمية.

الاعتراف بالتعددية اللغوية، وذلك يقتضي تبني لغة واحدة أو أكثر، من لغة رسمية، تخدم التواصل بين المقاطعات داخل الدولة.

الاعتراف بلغتين رسميتين تتوافقان مع التركيبة اللغوية الوطنية.

نماذج من السياسة اللغوية في بعض البلدان:

كندا:

إن مسألة الألسنية في كندا قد رافقت تاريخ هذه البلاد الحديث، فالثنائية اللغوية، قد نصت عليها قوانين  الدولة منذ زمن افتتاح هذه البلاد، كما اعترف مرسوم الكيبيك بالثنائية الثقافية سنة 1774 ، وكانت المعاملات الرسمية تتم باللغتين المستعملتين في البلاد، وهما الفرنسية والانجليزية.

ولا ننسى أن كفاح الأقلية الفرنسية في سبيل المحافظة على لغتها وتراثها ظاهرة ثابتة في تاريخ الشعب الكندي؛ إذ كان الفرنسيون في غالبيتهم يعملون في إطار الزراعة، وكان عدد المتعلمين منهم قلة، كما كانت اللغة الإنجليزية هي المسيطرة في مجالات الصناعة والتجارة والتعليم والجيش والمؤسسات الرسمية، وقد اقتصر استعمال الفرنسية على سكان الكبيك.

ابتدأ الفرنسيون في النصف الثاني من القرن العشرين ينظمون أنفسهم في مقاطعة الكبيك، وظهرت قيادات شابة تطالب بالمساواة، مما أتاح ظهور حركات انفصالية تدعو إلى استقلال الكبيك عن كندا، وقوى العامل الديني هذا الصراع بين الفرنسيين الكاثوليك والإنجليز البروتستانت، فوقعت بعض الأعمال الإرهابية كتنظيم المظاهرات وتفجير القنابل، وأثار ذلك قلق الحكومة الفيدرالية، فأنشأت لجنة ملكية للتحقيق في مسائل الثنائية اللغوية الثقافية، فأجابت هذه اللجنة البلاد، وحضرت اجتماعات علنية، واتصلت بالهيئات والفعاليات الوطنية، وقامت بأبحاث عديدة أصدرتها في ثلاث مجلدات، إثر ذلك، نشرت الحكومة الفيدرالية سنة 1969 قانون اللغات الرسمية الذي أعطى كل منطقة يتكلم سكانها اللغتين نظام مقاطعة ثنائية، وقد نص هذا القانون على أنه بالإمكان إعادة النظر في حدود المقاطعات كل عشر سنوات.

المسألة الألسنية في بلجيكا:

في بلجيكا يتعايش تجمعان مختلفان لغويا واثنيا، هما الفلامنديون  من أصل ألماني و الوالونيون من أصل فرنسي- لاتنني. ويبلغ عدد سكان هذا البلد 10 ملايين نسمة،  وينقسم السكان إلى تجمعات متعددة هي:

أكثرية تتكلم الفلامندية في الشمال (56%).

سكان يتكلمون اللغة الفرنسية في الجنوب (32%).

أقلية تتكلم الألمانية  في الشرق (1%).

مجموعات سكانية مختلطة في الوسط تتكلم اللغتين في محيط العاصمة بروكسل (11%).

تظهر إحصائية سنة 1974، فيما يتعلق بعدد سكان العاصمة، أن 75% من السكان يتكلم الفرنسية، و25 % يتكلم الفلامندية. تجدر الإشارة هنا إلى أنه حين نشأت دولة بلجيكا سنة 1830، كانت الفرنسية لغة البلاد الرسمية، فبدأ التحرك الفلامندي منذ سنة 1833، يتخذ طابعا لغويا ويحمل اهتمامات طائفية وديموقراطية واجتماعية، وبدأ هذا التحرك يأخذ حجما وطنيا سنة 1848. و في سنة 1912 نشر أول قانون ألسني،  وهذا القانون سمح بإدخال اللغة الفلامنية في التعليم الثانوي. ومع الحرب العالمية الأولى، ظهر اتجاهان في صفوف الفلامنديين:

اتجاه متطرف يطالب بأحد الحلين، إما الانفصال من الدولة المستقلة، وإما الاتحاد مع هولندا.

اتجاه معتدل يطالب بالإبقاء على الصيغة البلجيكية مع المطالبة بتعديل القوانين.

وفي المدة الممتدة بين سنتي (1920ـ1930) ُأقرت  قوانين ألسنية عديدة كان من نتيجتها أن ارتسمت الصور التالية في جامعات البلاد:

في غاند جامعة فلامندية.

في لياج وفي بروكسيل جامعة فرنسية.

في لوفان جامعة ثنائية اللغة.

وفي سنة 1970، قام رئيس الوزراء غاستون ايسكنس  Gaston Eyskens بتقسيم البلاد رسميا إلى ثلاث مناطق:

- الفلامنديون في الشمال.

- الوالونيون في الجنوب.

- منطقة بروكسيل المختلطة في الوسط.

الاقتراض اللغوي  l’ emp runt

إن تبادل التأثير والتأثر ظاهرة اجتماعية بين اللغات المتجانسة، واقتراض لغة من أخرى ظاهرة إنسانية، فقد أقام عليها علماء اللغة قديمهم وحديثهم أدلة لا تحصى، والاقتراض يكون إما بطريقة مباشرة، كأن تقترض لغة من إحدى اللغات المجاورة لها، فتأخذ عنها مباشرة، كما نرى مثل هذه الظاهرة في بعض اللغات كصنغي وسركولي والفلانية؛ لأن احتكاك العرب بهم كان سببا في إثراء معجمهم، باقتراض مجموعة من الكلمات، وقد يكون بطريقة غير مباشرة.

وقد أجرى برزي  2007 دراسة مهمة في اقتراض البمنان من العربية خلص إلى أنه تم عبر طريقة غير مباشرة، لمجاورة البمنان للقبائل المذكورة السابقة، المجاورة للعرب؛ بيد أن G.Dumestre (2003) رأى في مقاربته أن الاقتراض مر عبر قبيلتين، وهما:

 1- السركولي: (السوننكي)؛ لأنها تمثل أول مملكة أسست في غرب إفريقيا، وبهذا تكون قبيلة أولى اعتنقت الإسلام في المنطقة، بل وأول من ربط الصلة بين عالم الزنوج وشرق إفريقيا.

2-  صنغي: كانت ساكنة شرق مملكة البمنان، كما كانت لها مملكة كبيرة متمتعة بالسيادة على النيجر.

وقد دافع  برزي 2007 في أطروحته ضرورة إضافة الفلان، إذ إنها أيضا كانت تقيم شرق مملكة البمنان، وكان لها احتكاك مباشر بها، وجرت بينهما حروب طاحنة، في القرن 19.

وقد أقر Delfosse بوجود حوالي 375 كلمة في لغة البمنان مقترضة من العربية.

والواقع أنه يصعب تحديد عدد هذه الكلمات، ولا يجانبن الصواب إذا قلت إنها بالمآت.

ويمكن التكهن حسب  G. Dumestre أن بدايات تاريخ الاقتراض تعود إلى مطلع القرن 11، أي من عهد إمبراطورية غانا؛ ومما لا شك فيه أن هذا الاقتراض مازال يأخذ اتجاها تصاعديا إلى يومنا هذا.

ومن كثرة استعمال الكلمات العربية المقترضة في البمنان، صار الأغلبية الساحقة من ناطقي هذه اللغة يجهل ما إذا كانت كلمات مثل: nafa (نفع) و Sali (صلاة)..إلخ. أجنية في الأصل عن البمنان، بل إن هناك ركاما من المفردات المقترضة من العربية تستعمل في مجالات شتى.

مجالات الاقتراض:

1- الدين.

2- ألآت الكتابة كـ Bataaki البطاقة .

3- مفردات عقلية معنوية، كـ faamu الفهم و hakili العقل و hami الهم.

4- مفردات تجارية: كـ mutukali المثقال، والشبر cibiri، و sugu السوق. ينضاف إلى ذلك أن البمنان اقترضت أسماء أيام الأسبوع، ولم تكتف بذلك بل إنها جلبت عبارات مركبة، ومن تلك العبارات ما يكاد يكون مشتركا بين كل الشعوب الإسلامية، مستخدما في لغات التخاطب اليومي، مثل: بسم الله، السلام عليكم...إلخ.

ومن المفردات المقترضة أيضا الظروف، والجهات مما يوضح أن الإسلام هذب إحساس الإنسان الإفريقي بالزمان، ونظم له خياله ونمى وعيه بقيمة الوقت.

وغني عن الذكر أن المفردات المقترضة تتضمن أصواتا عربية، لبعضها وجود في البمنان، والآخر ليس كذلك كما مر. وفي البمنان تكتب المفردات المقترضة على نحو ما تكتب لغة البمنان، إلا أن صوت الحرف العربي، يعوض بصوت آخر في البمنان قريبا منه.

أنواع الاقتراض:

الاقتراض يمس إما كل الكلمة أو بعضها، وقد يمس الصوامت أو الصوائت، لذلك قسمناه إلى نمطين:

1- اقتراض كلي: إذ تحتفظ الكلمة بصوامتها.

2- اقتراض جزئي: حيث يقع بعض التغييرات الصوتية التي ترجع إلى البنية الصرفية أو الصواتية للبمنان، ونمثل لهما كما يلي:

اقتراض كلي:

مثل:sukaro السكر sababu السبب tamaro  التمر             abadaأبد، يمكن أن تستنتج مايلي من الأمثلة السابقة:

نلاحظ على هذه الكلمات في البمنان احتفاظها بصوامتها العربية، وهو في الغالب، مع بعض التغييرات المصوتية.

محافظة هذه الكلمات على الإعراب الأصلي وهو الرفع في اللغة العربية.

تلحق بالكلمات النغم الذي تعرفه لغة البمنان.

تطور اللغة:

اللغة شأنها شأن الكائنات الحية، تحيا وتتعرض للاضطراب والتطور والتقلب بين الازدهار والانتشار والقوة تارة، وبين الضعف والتفكك  والانهيار والتعرض للانحسار و الانقراض تارة أخرى.

عوامل تطور اللغة:

لقد ظل بعض العلماء يقصرون عوامل تطور اللغة على العوامل الاجتماعية أو السوسيولوجية، دون غيرها، وعلى رأسهم F. Saussur، ولكن الدراسات الحديثة أكدت خطأ هذا الزعم، فتوصلت إلى أنها تتطور بمثل: الفتح ، الاستعمار، الهجرة، زيادة حركة العمران...إلخ، ويمكن إيراد أهمها:

العوامل الاجتماعية:

تشمل هذه العوامل مجموعة من الخصائص العقلية للأمة والأخرى، ويمكن إيرادها:

1- خصائص الأمة:

تتأثر اللغة بالخصائص العقلية للأمة وحضارتها ونظمها وعقائدها وتقاليدها، واتجاهاتها العقلية ودرجة ثقافتها ونظرتها إلى الحياة وشئونها الاجتماعية العامة، كما تتأثر اللغة بسمات الشخصية والوطنية والقومية التي تعكس خصائص الأمة لأي شعب من الشعوب، فكل تطور يحدث في ناحية من هذه النواحي يتردد صداه في اللغة كأداة التعبير، ولهذا تعكس اللغة تأريخ الشعوب من خلال تراثها الثقافي الشفهي والمكتوب، وما مرت به من مراحل الازدهار أو الانهيار.

    - ومن الأمثلة على ذلك في [ل ع] من رقي أساليبها بعد انتقال العرب من همجية الجاهلية إلى حضارة الإسلامية.

تجاه الأمة نحو مبادئ المساواة وانحرافها عن نظام الطبقات الاجتماعية؛ يعكس ذلك على اللغة، مثل: (تفضلوا بقبول كامل الاحترام...)  و (أرجوا أن تتفضلوا...)

إجراء الخطاب في صيغة الإخبار عن الغائب بشكل استفهامي، مثل:(هلا... تفضل سيدي).

وليست العربية بدعا في ذلك، ففي الفرنسية مثلا، صراع بين tu و vous يمثل مرحلة من الصراع الاجتماعي و روح المساواة بين الطبقات الاجتماعية وكذا التطرف في التبجيل لدى هذا الشعب في مراحل تاريخية مختلفة؛ إذ استخدمت tu في عصور انتشرت فيها مبادئ  المساوات، بينما vous فـي عصور ضعفت فيها روح المساوات، وبرزت فيها الفروق بين الطبقات الاجتماعية.

وينضاف إلى ذلك أن اللغة اللاتينية تعبر عن العورات بصورة صريحة دون استحياء، وتبعه أيضا بعض اللغات الهندوأوروبية ، على عكس ما هو موجود في [ل ع]، مثل قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) و قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائم) .

2- انتقال اللغة من السلف إلى الخلف:

تنتقل اللغة من جيل إلى جيل آخر من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، التي تقوم بها الأسرة لنقل الثقافة من السلف إلى الخلف، ويكمن ذلك في المحاكاة التي يقوم بها الأطفال نقلا عن الكبار، لا تتم بصورة حرفية، وإنما تصاحبها عملية تطور وتغيير ترجع في مضمونها إلى أسباب وعوامل اجتماعية، وأخرى غير اجتماعية، و يتمظهر هذا المحور في تغيير المعاني ودلالات الألفاظ والمفردات، ومن تلك التغيرات كلمة:الأب، الذي يطلق على العم في بعض المجتمعات.

3- الاحتكاك اللغوي:

تتعرض مختلف اللغات للاحتكاك اللغوي نتيجة اتصال بلغات أخرى، إذ لا توجد لغة يمكن أن تعيش منفصلة تماما أو في مأمن من الاحتكاك اللغوي، وخاصة في العصر الحديث الذي تحول العالم إلى قرية صغيرة نتيجة لتقدم التكنولوجيا، وأساليب الاتصال بين الشعوب المختلفة.

ويحدثنا التاريخ ما حدث من احتكاك بين العربية والفارسية  والتركية، وما ينجم عن ذلك من اقتباس، ونفس الشيء مع اللغة الألمانية واللغة الفرنسية في سويسرا نظرا لمجاورتهما.

4- التغير الاجتماعي وتطور اللغة:

يعتبر التغير الاجتماعي سمة من سمات كافة المجتمعات، فالتغيير  من السنن الاجتماعية المصاحبة للاجتماع الإنساني، الذي يحدث على مر الزمن نتيجة للتغير الذي يطرأ على ثقافة المجتمع كقيام ثورة نفطية في مجتمع، ومعدنية في أخرى...إلخ، وما يصاحبها من تغير العادات والتقاليد والقيم والأعراف.

العوامل الأدبية:

تشمل هذه العوامل كل أساليب الإبداع التي يجود بها العقل الإنساني لدى صفوة من العلماء والأدباء والمفكرين الذين  تمثل إبداعاتهم العقلية زادا علميا يؤدي إلى تطور اللغة والمحافظة عليها، وتعليمها ونشرها وتهذيبها، فاهتمام هؤلاء الصفوة بالإنتاج العلمي في مختلف فروع المعرفة، وتشجيع الصفوة السياسية لهم يساعد في تطوير الأدب؛ وتتحدد العوامل الأدبية فيما يلي:

1- رسم اللغة:

تتخذ اللغة شكلين من أشكال الرسم، هما:

التناقل الشفوي من خلال عملية التكلم كمظهر صوتي.

الرسم المعنوي: في عملية الكتابة التي تسعى للتعبير عن الكلام الشفوي.

تسجل على شكل صور خطية كاللغة الصينية، والمصرية القديمة (الهيروغلوقية)، إذ تشمل اللغة الصينية 240 رمزا أصليا يعبر كل رمز منها عن معنى العام، بينما تعتمد اللغة المصرية القديمة على صورة خطية فترمز للشمس بدائرة  في وسطها نقطة، وإلى القمر بقوس في وسطه نتوء وهكذا، وقد استفادت بعض اللغات بمختلف الاختصارات، مثل:(ص) ( ج .م .ع) (ل .ع).

2- حركة التجديد في اللغة:

تتأثر هذه الحركة بعدد من العوامل تسهم في تطوير اللغة وتجديدها، ويشمل ذلك تأثير الأدباء والكتاب بأساليب اللغات الأجنبية وما يحويه من أفكار، ومن الأمثلة على ذلك ما أخذته اللغة العربية عن اللغتين الفارسية والإغريقية في عصر بني العباس من خلال الترجمة والاقتباس. وأجاز مجمع اللغة العربية بالقاهرة تعريب المصطلحات الأجنبية، مثل تلفون تلغراف راديو،  وتؤدي هذه المصطلحات إلى إثراء اللغة.

3- البحوث والمؤلفات اللغوية:

هي البحوث التي تستهدف إلى حفظ اللغة وضبطها وسلامتها، وتشمل المعاجم ودوائر المعارف، وأدب اللغة والمؤلفات اللغوية المخصصة من نحو وصرف وغيرها، وتسهم هذه المؤلفات  اللغوية في حفظ اللغة من التحريف ونقلها من السلف إلى الخلف والنهوض بها وتهذيبها.

العوامل الطبيعية:

تشمل هذه العوامل الجوانب المتصلة بتأثير البيئة الجغرافية  والظواهر الطبيعية المتصلة بها، والعوامل الفسيولوجية  والبيولوجية والاثنولوجية، على اللغة وتطورها.

وعلى الرغم من أن كل تلك العوامل ليست اجتماعية، أي أنها لا تتصل بالاجتماع الإنساني وما يتصل به من عقل جمعي، إلا أن لها آثارا ملموسة على اللغة وتطورها.

فالعوامل الطبيعة أو الجغرافية للأمة بخصائصها المناخية و البيئية والإقليمية تنعكس على لغة السكان، لذا تبرز فروق واضحة في مختلف مظاهر اللغة بين سكان الناطق الباردة والمناطق المعتدلة والمناطق الحارة، وكذلك تتباين البيئة الصحراوية عن غيرها؛ بل حتى إن النص الأدبي يعكس وضوحا قاطعا ليدل على بيئة كاتبه وطبيعته، مما يشير بجلاء إلى هويته وتأثره بهما، بل يتعداه أحيانا إلى كل فنون القول نثرا أو شعرا.

أما العوامل الفسيولوجية والبيولوجية وأثرهما على تطور اللغة ذلك أن الشعوب تختلف عن بعضها البعض في خواصها الوراثية المتعلقة بأعضاء النطق، وخاصة فيما يتعلق بناحية الأصوات، ذلك أن هذه الأعضاء تختلف في بنيتها واستعداها ومنهج تطورها تبعا لاختلاف الشعوب، وتنوع الخواص الطبيعية المزود بها كل شعب، والتي تنقل عن طريق الوراثة، من جيل إلى آخر.

أما العوامل الأثنولوجية فيختص بالعوامل العرقية والسلالات البشرية، وانعكاسات هذا التباين على اللغة من حيث اختلاف السمات البيولوجية والفيزيقية والتكوينية لكل سلالة عن أخرى، وأثرها في كفاءة أجهزة السمع والإبصار والكلام وقدرتها على أداء وظائفها وبالتالي إمكاناتها في تطوير اللغة.

العوامل اللغوية:

هي تلك العوامل المتعلقة باللغة ذاتها من حيث بنية اللغة وعناصر كلماتها وقواعدها اللغوية، وكلما ضاقت الفروق بين صوتيات اللغة ورسمها المعنوي سهل تعلمها. ويمكن تقسيمه إلى عاملين:

-القسم الأول: يتعلق بتفاعل أصوات حروف الكلمة مع بعضها البعض، كالحروف الشمسية والقمرية، وكذلك ما يحدث في تحريف بعض الكلمات جراء تحولها من استعمال الفصحى إلى العامية.

- القسم الثاني: يتعلق بالعوامل اللغوية المؤثرة في تطور الدلالة، ومن تلك العوامل ارتباط الكلمة بفصيلتها اللغوية، وكما أن قواعد اللغة نفسها قد يؤدي إلى تغير مدلول الكلمة، مثل ما حدث مع كلمة  Homo التي كانت تطلق في اللغة اللاتينية  على الإنسان رجلا كان أو امرأة، ثم أصبحت تدل على المذكر، مما أدى إلى تحول دلالتها في اللغات الأخرى المتشعبة عن اللاتينية لتعبر عن الذكور فقط.

وجوه تغيير في الألفاظ  العربية أربعة:

قيام حروف بعضها مقام بعض

مثل قول الشاعر:

يا قبّح الله بنى السعلاة   عَمرو بن يربوع شرار النات  غير أعفّاء ولا أكيات

(النات= الناس، أكيات= أكياس) بدلت السين بتاء.

متّ= مدّ= مطّ= متا= متى، التاء والدال والطاء، حلت كل واحدة منها محل أيّ من أختيها، كما استبدلت الشدة في "متا" بالمقصورة الواوية، وفي متى بالمقصورة اليائية.

مته= متح الحاء، قامت مقام الهاء وبالعكس

لصص= رصص، قامت اللام مقام الراء وبالعكس

غمس= قمس، الغين والقاف قامت كل واحدة منها مقام الآخر

بزق = بصق، الزاي مقام الصاد وبالعكس

أعطى= أنطى، العين والنون مقام بعضهما

حطب= حصب= حضب، الطاء والصاد والضاد، قامت مقام بعضها

بك= بج= بق، الكاف والقاف والجيم، قامت مقام بعضها.

يجب أن لا ننسى عجعجة قضاعة، في: علي= علج، وعنعنة تميم، في: أن= عن، وكشكشة بني أسد أو ربيعة في: عليش= عليك، وكسكسة بكر وهوازن في: أبوس=أبوك.

إضافة حرف (من كل الحروف) أو أكثر إلى الكلمة

وهذه نماذج من العربية الفصحى:

التنوين: هو إضافة نون ساكنة إلى  آخر الاسم المجرد من (أل): رجلن، بطلن

كبَّ= كبكب، شعََّ= شعشع، سمٌّ= سمسم، لذٌّ = لذيذ، مسك=أمسك= استمسك، زهر= تزاهر = ازدهر، دمج= اندمج= ادّمج= أدرمّج.

وفي العامية (الدارجة)

لهب لهلب، الكرة الكورة، الاتكال الانتكال = المنتكال، الزنجبيل اسكنجبيل.

حذف  حرف أو أكثر من الكلمة

وهذه نماذج من اللهجات العربية المعاصرة (وقد يوجد مع الحذف تبديل حرف بغيره )

إرم  رم، سرّ من رأى  سامراء، الإبل  البل (في اللهجات البدوية)، نصف  نص، سيد  س (ل مصرية)، أي شيء  إيش.

ـ الترخيم في المنادى: ياصاحبي   ياصاح، ياعثمان  ياعثم،

تغيير موقع حرف أو أكثر فى الكلمة الواحدة

من الأمثلة في اللغة العربية:

جذب= جبذ (تبادل الحرفان الأخيران المواقع)، قمط = مقط (تبادل الحرفان الأولان المواقع) قفز= فقس، (تبادل المواقع وتغيير الحرف)، هزبر= هِبْروي (تغيير الوقع وزيادة الحرف)الصاعقة= الصاقعة، صرّ= رصّ(قلبت حروفها) سلسل= لسلس (قلبت حروفها).

يقول الباحثون إن سبب هذا الاختلاف في الألفاظ هو اختلاف مناطق القبائل.

وفيما يلي أمثلة من العامية قبل فشو القلم، في تطورها من الفصحى:

رجل  إجل (في دمشق، قلبت حروفها وتبدلت الآم بألف)، درفة الباب  فردة الباب ( قلبت حروفها)، رصيف  صريف (في دمشق)، مسك  كمش، جسد  سجد، سزد، عقل أعل، عقرب، أعرب.

 

علم اللغة النفسي:

تعريفه:

هو العلم الذي يختص بدراسة العوامل النفسية المؤثرة في اكتساب لغة الأم، خاصة عند الأطفال، كما يدرس عيوب النطق والكلام  والعلاقة بين النفس البشرية واللغة، بشكل عام من حيث الاكتساب والإدراك عن المتكلم والسامع، على المستوى الصوتي والنحوي والدلالي.

الدراسات الأولى:

1- دراسات ثورانديك Thorndike 

أشار إلى أن وظيفة اللغة تقوم على التعبير عن أفكار الإنسان المتكلم أو عواطفه ووجدانه، وهذا الرأي غير دقيق؛ لأن اللغة تستعمل أيضا لإثارة أفكار ومشاعر السامع.

2- دراسات وتسون Watson 

من رواد المدرسة السلوكية، وقد أشار في دراساته إلى أن اللغة  والكلام شيء واحد، واعتبر اللغة هي الكلام المنطوق على مستوى الحنجرة فقط.

الدراسات النفسية اللغوية الحديثة:

ذهب دي سوسير إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية، ينبغي دراستها على هذا الأساس، فالعلاقة قوية بين لغة المجتمع المعين، وبين ما يدور في الأذهان المتحدثين، بتلك اللغة، وبهذا أكد وجود علاقة بين اللغة والفكر.

العلاقة بين علم اللغة وعلم النفس:

تتظهر العلاقة بين علم اللغة وعلم النفس، ذلك أنه من الناحية النفسية تعتبر اللغة أحد مظاهر السلوك الإنساني، واللغة ترتبط بالإنسان إلى حد كبير وتميزه عن سائر المخلوقات، وعلم النفس يختص بدراسة السلوك الإنساني، ودراسة السلوك اللغوي، يمثل أحد جوانب التقاء بين علم اللغة وعلم النفس.

ميدان الدراسة في علم اللغة النفسي:

إن علم اللغة النفسي يقع  في جانب التطبيقي من علوم اللغة، وعلم اللغة النفسي أو ما طلق عليه البعض علم النفس اللغوي، يتركز على أهم مظاهر السلوك الإنساني، وهي اللغة، فهو يرتكز على قضايا اللغة من الناحية النفسية، ومن المتفق عليه بين علماء النفس، أن جانبا كبيرا من شخصية الفرد تظهر ملامحها، ويمكن الحكم عليها عن طريق الذي يصدر عن الفرد، وأقوله وسلوكه اللغوي بوجه عام.

إن اللغة من الناحية النفسية يمكن التركيز  في دراسته على النحو التالي:

الأساس الفيزيائي والعضوية للغة.

الأساس النفسي للغة.

وبالنسبة للأساس الفيزيائي والعضوي والعصبي للغة، فإنه يتناول في دراسته الجانب الصوتي والمرئي للغة، والحواس التي تنقل اللغة إلى الإنسان وهي حواس السمع والبصر واللمس، والأخيرين مبصرين.

وبالنسبة للأساس النفسي، فإنه يختص بالعمليات الذهنية المختلفة التي يتم فيها اكتساب اللغة منذ الطفولة وفي مدارج العمر التالية، وتعلم اللغات الأجنبية بجانب اللغة القومية.

إن اكتساب اللغة الأصلية أو ما يسمى لغة الأم، أو اللغة القومية تعد من أساسيات علم اللغة النفسي، فهي اللغة الأولى التي ينطق بها الطفل في المراحل المبكرة من العمر، والتي تؤثر في عملية اكتسابها مؤثرات بيولوجية وفيسيولوجية ونفسية واجتماعية.

كما أن اللغات الأجنبية بجانب  اللغة القومية أمر جوهري في علم اللغة النفسي، إذ إن مجالات البحث في ذلك تختص بالعوامل المختلفة المؤثرة في تعلم اللغات والتي منها عوامل داخلية وخارجية ومساعدة ومعوقة، هذا بالإضافة إلى أن الاضطرابات اللغوية الخاصة بعيوب النطق والكلام نتيجة إصابة بعض أجهزة الإنسان ذات الصلة باللغة، مما ينتج عنها اضطرابات أو تلف في أجهزة النطق أو في المراكز العصبية بالمخ... هذه الاضطرابات اللغوية تعتبر جانبا هاما من جوانب الدراسة في علم اللغة النفسي، ذلك أن هذه الاضطرابات تؤثر من الناحية النفسية على شخصية الفرد.

اللغة والفكر:

لقد خلق الله الإنسان ومميزه عن سائر المخلوقات بالعقل ومنحه اللسان الناطق، وجعل منه خليفته على الأرض.

والإنسان يتميز عن سائر المخلوقات بالقدرة على التصور  والتجريد والتحليل والتركيب، وبعض الحيوانات يتم عن فهم وذكاء كسلوك الطيور والقردة والقطط والكلاب، ولهذا فإن الفرق بين الإنسان وسائر المخلوقات فرق في الدرجة، وإن كان التطور الفكري المذهل الذي حققه الإنسان يؤكد أن الفارق بينه وبين الحيوانات في سلم التطور يجب ألا يكون موضع  مقارنة.

واللغة أداة لا غنى عنها من جهتين فهي:

وسيلة إبراز الفكر من حيز الكتمان إلى حيز التصريح.

أداة التفكير التأملي، فلولا اللغة لما تمكن للإنسان أن يصل إلى حقائق عندما يسلط عليها أضواء فكره.

من الثابت أن النمو اللغوي يتأثر بدرجة كبيرة بالنمو العقلي، كما أن هناك اتصالا متبادلا بين النشاط اللغوي والتفكيري.

ومن الناحية النفسية، تعتبر اللغة وسيلة نقل أفكار الفرد ومشاعره إلى الغير، وتسهل اللغة عملية التفكير، فاللفظ هو أفضل وسيلة للتعبير عن أفكار الفرد، وعندما يعجز الفرد عن التعبير اللفظي يستخدم الإشارة ، فالصم الأبكم لا ينطق بلسانه، بل يستخدم الإشارة  أيضا في التعبير عما يدور بخاطره.

واللغة ذات صلة قوية بالنمو العقلي للطفل، ويظهر ذلك  في مقارنة الطفل العادي بالطفل الأصم الأبكم، الذي لا يعرف  وسيلة من وسائل التفاهم، وعند المقارنة نجد الطفل السوي يمكنه أن يفهم لغة الغير وأن يستخدم اللغة ليعبر عن أفكاره وحاجاته، ويؤثر بها في سلوكه مع الغير، بينما الصم البكم عكس ذلك يفقد القدرة على سماع اللغة والتحدث بها ويصعب عليه التعبير عن أفكاره وحاجاته، ويفقد التأثير على غيره.

اللغة والذكاء:

هناك جانب آخر من الأهمية، وهو ارتباط اللغة بالذكاء، فالتفكير من أنشطة العقل، والتفكير يعبر عنه باللغة، واللغة من مظاهر سلوك الفرد، ويمكن الحكم على ذكاء الفرد من لغته، كما يمكن أن تكون اللغة مطابقة تماما لأفكار الفرد.

ويمكن تقسيم القدرات اللغوية إلى مايلي:

العامل اللفظي الذي يدخل في العمليات الآلية، مثل: التهجي والإملاء والقراءة.

العامل الأدبي أو القدرة الأبية وهي التي تدخل في العمليات العقلية العليا، كالإنشاء وفهم المقروء والمسموع.

أثر اللغة في المرسل والمستقبل:

 عقد دي سوسير في كتابه الشهير (د أ ع) بابا تحت عنوان: منزلة اللغة من الظواهر الخاصة بالكلام، فخلص إلى أن العملية الكلامية تفترض وجود شخصين على أقل تقدير، فلنفترض أن شخصين أحدهما (أ) و الثاني (ب) يتخاطبان، إن منطلق الدورة وجود في دماغ أحدهما، هو : (أ) على سبيل المثال حيث تفترض ظواهر الإدراك وهي التي نسميها المتصورات الذهنية بما يمثل الدلائل اللغوية أي الصور الأكوستيكية المستخدمة للتعبير عن تلك الظواهر، ولنفترض أن متصورا ما يثير في الدماغ صورة مناسبة له؛ فإن هذه العملية تمثل ظاهرة نفسية صرفا تليها عملية فيزيزلوجية (عمل وظيفة النطق).

وصورة ذلك أن الدماغ يبلغ أعضاء التصويت دفعة مناسبة للصور الأكوستيكية، ثم إن الموجات الصوتية تنتشر من فم "أ" إلى أذن "ب" وتلك عملية فيزيائية (علم السمعيات) صرف، ثم إن الموجات الدورة تتواصل عند "ب" ولكن في ترتيب معاكس.

اكتساب اللغة

 نظرية اكتساب اللغوي (في التراث العربي):

إن مسألة اكتساب اللغة قد أثارت اهتمام بعض اللغويين وعلماء الكلام وفلاسفة العرب، وإن لم يولوها عنايتهم المباشرة، ومع ذلك يمكن إيراد بعض آرائهم:

أـ تركيز الاهتمام على عامل الممارسة:

يرى القاضي عبد الجبار في كتابه (المغني في أبواب التوحيد  والعدل) أن الكلام من الأفعال المحكمة كالبناء والنساجة  والصياغة، وأن استكناه الكلام إنما يتم من خلال الاختبار والسماع  والمحاكات والمران والممارسة وعلى قدر تكرار ترسخ العادة.

ب ـ تركيز الاهتمام على عامل القوى الفطرية:

يركز الفرابي الانتباه على القدرة الفرية عند الإنسان، فالناس عنده مفطورون على صور وخلق، وتكون أبدانهم على كيفية وأمزجة محدودة، وتكون أنفسهم معدة نحو معارف وتصورات وتخيلات بمقادير محدودة في الكمية والكيفية. ويتم الاكتساب من خلال قدرة فردية يدعوها الفرابي بالملكة الطبيعة، وهذه الملكة تتحول بواسطة تكرار الأفعال إلى ملكة اعتيادية، وللمزيد يمكن العودة إلى كتابه (الحروف).

ج ـ التركيز على الملكة اللغوية:

يذهب ابن خلدون إلى أن اللغة الإنسانية ملكة مكتسبة، وكلمة الملكة، تربط اللغة بالقدرات الفطرية لدى الإنسان على نحو يجعل البعد اللغوي خاصية إنسانية، ويقول: ومن كان على الفطرة كان أسهل لقبول الملكات، وأحسن استعدادا لحصولها، ويضيف أن: الملكة إذا سبقتها ملكة أخرى في المحل فلا تحصل إلا ناقصة مخدوشة.

ـ نظرية اكتساب اللغوي عند تشومسكي:

ينطلق ناعوم تشومسكي مؤسس النظرية الألسنية التوليدية و التحويلية في تحليله للاكتساب اللغوي عند الطفل من الملاحظات التالية:

1- يكتسب كل طفل سوي اللغة من دون القيام بأي مجهود يذكر، من خلال تعرض شفاف للغة محيطه... في حين أن القرد إذا بلغ حدا معينا من الذكاء لا يمكنه أن يكتسب الأصوات الأكثر بساطة في اللغة.

2- إن كلام المحيط الذي يسمعه الطفل من حوله لا يتشكل من جمل أصولية كاملة، فهو يحتوي في الحقيقة على نسبة كبيرة من الجمل الناقصة التي تنحرف عن الأصول اللغوية، كما أنه يشتمل على جمل لا متناهية؛ في حين أن الطفل حين يكتسب لغته يكتسب كفاية لغوية فيها، أي معرفة ضمنية بقواعد اللغة، التي تتيح إنتاج عدد غير متناه من الجمل المتجددة بشكل دائم، والفهم والحكم على أصوليتها.

3- إن الطفل الذي اكتسب اللغة يكون قد نما في ذاته تصورا داخليا لتنظيم قواعد بالغة التعقيد...ولا يكتسب الكفاية اللغوية فحسب، بل يكتسب في الوقت نفسه محتوى الكلام...ويمتلك تقنية التواصل.

4- ينبغي ألا تتعدى خصائص اللغة المكتسبة قدرة الطفل الذهنية وإلا تعذر استيعابها، وهذا مع العلم أن اللغة المكتسبة تنظيم لغوي غني ومعقد.

اللغة المشتركة بين الإنسان والحيوانات:

إن استخدام الجهاز الصوتي للكلام والجهاز السمعي للاستماع، وحركة اليدين والقدمين أو تعبيرات الوجه، ويستخدم كثير من الحيوانات كالإنسان اللمس والشم، والجهاز الصوتي والسمعي وكذا الأصوات المفردة بالطريقة التالية:

المجتمعات البشرية تستخدم من 11  إلى 67 صوتا.

 اللغة الإنجليزية ما يقارب 40 صوتا.

     "  الإيطالية      "    27  "

     "  العربية        "    40   "

الحيوانات والطيور تستخدم ما بين 12 إلى 25 صوتا مفردا.

          الثدييات       "           7   إلى  36      "

           القرود        "          10    إلى 37      "

 ومن الملاحظ أن أصوات الحيوانات في معظم الحالات تتصل بالمشاعر أو العواطف أو الخوف أو الألم أو السرور أو اقتراب الخطر، وقد فرق Marler  بين الاختلاف في الدلالة بين ما أسماه الصيحات المفردة والغناء  المركب، والذي يتألف من صيحات مختلفة.

ومما يتميز به لغة الإنسان هو الاعتباطية (الاصطلاحية و التواضعية).

ومما يميز لغة الإنسان هو أن مفردات اللغة التي تشير إلى المحسوسات في عالم الواقع، ويعبر عن الأفكار المجردة، فباستطاعة الإنسان تعميم الاسم على جميع الأشياء المتشابهة في الأصل والمختلفة في التفاصيل، فكلمة (حشرة) يمكن أن يطلق على صغار أو كبار الحشرات الضارة و النافعة....

الازدواجية: يعني أن الصوت المنفرد في لغة الإنسان لا معنى لها بحد ذاتها، كحروف الميم والألف والهمزة، مثلا عند ما تركب  بشكل معين فتكون كلمة (ماء) ويصبح لها معنى.

وفي المقابل نجد أغاني بعض الطيور، تتألف عادة من أصوات مدة لا معنى لها في حد ذاتها.

إمكانية الإشارة في اللغة إلى أحداث بعيدة عن زمان ومكان التكلم؛ بيد أننا نجد النحل عندما يكتشف الرحيق، يعود للخلية وعن طريق رقصات معينة، يحددها مصدر و اتجاه الرحيق، فيتمكن باقي النحل من الاتجاه إلى هذا المصدر.

القدرة على الخلق والابتكار، فالإنسان قادر على أن يركب من الأصوات المفردة العديد من المفردات اللغوية، وتركيب الجمل والمفردات اللغوية.

ـ بعض التقارب بين ابن خلدون في كتابه المقدمة وتشومسكي:

- تعريف اللغة عند ابن خلدون بالملكة اللغوية، وعند تشومسكي قدرة يكتسبها الإنسان خلال ترعرعه في بيئة معينة.

- تختلف الملكة اللسانية في نظر ابن خلدون عن الصناعة العربية، إذ يقول: من هنا يعلم أن تلك الملكة، هي غير صناعة العربية، وأنها مستغنية عنها بالجملة، وإليه يذهب تشومسكي عندما يميز بين الملكة اللسانية والكفاية اللغوية والأداء الكلامي.

- ولاعتقاد سبق الملكة الأولى ورسوخها، بنقص أية ملكة لسانية لاحقة، ويقول ابن خلون كما مر: إن الملكة إذا سبقتها ملكة أخرى في المحل، فلا تحصل إلا ناقصة مخدوشة، وإليه ذهب تشومسكي الذي لا يأخذ إلا بالحدس اللغوي لمتكلم اللغة في لغته الأم، أي بالملكة اللغوية الأولى.

وهناك نظريات أخرى في اكتساب اللغة، منها:

ـ النظرية البيئية:

ترى أن البيئة هي وحدها المسئولة عن تمام عملية الاكتساب، وهو ما نجده لدى علماء النفس السلوكيين، وبخاصة لدى وطسون وسكينر، فاللغة في نظر السلوكيين شكل من أشكال السلوك، ولا يباين اكتساب اللغة مع مسار أية مهارة أخرى.

ـ النظرية العقلية:

تفترض وجود قدرة عقلية فردية تقود عملية الاكتساب ويمثلها تشومسكى ولينبرغ، إذ يرى تشومسكي أن الطفل يمتلك بالفطرة تنظيما ثقافيا، يمكن تسميته بالحالة الأساسية.

ـ النظرية المعرفية:

تمثلها نظرية بياجي البنائية التي تقول بتفاعل قوى الطفل الذاتية في البنية المحيطة.

مراحل اكتساب الطفل اللغة:

1- التدرج في الوضوح الاحساسي بالسمع لدى الطفل، إذ يولد وهو لا يكاد يسمع شيئا، ويظل على هذه الحالة حتى اليوم الرابع أو الخامس، إذ يبدأ جهازه السمعي في مزاولة نشاطه، فتبدو عليه علامات السمع، غير أن إحساسه السمعي يظل عاجزا عن تحديد مصادر الأصوات التي يسمعها حتى أواخر الشهر الرابع، ثم يتدرج في الارتقاء والنضج.

وفي هذه المرحلة يحاكي الطفل ما يسمعه، وعليه فإن الطفل الأصم(الذي لا يسمع) ينشأ عادة أبكم( الذي لا يتكلم) حتى لو كانت أعضاء نطقه سليمة من الناحية الفسيولوجية، إذ إن هناك ارتباطا بين جهزي السمع والكلام.

2- القدرة على حفظ الأصوات المسموعة وتذكرها: وتظهر هذه القدرة عند الطفل بعد عدة أسابيع من ولادته، ثم تنمو تدريجيا حتى بداية السنة الثانية من عمره، وبتطور النمو اللغوي من مرحلة التقليد إلى الاستقرار اللغوي، تتكون لدى الطفل القدرة على حفظ الكلمات والأصوات المسموعة واستيعابها.

3- فهم الطفل لمعني الكلمات: وهذا الفهم يعتبر مرحلة لاحقة للقدرة على النطق، وتساعد عملية الإبصار على التقليد اللغوي، لذا فإن الطفل الكفيف يحتاج إلى فترة أطول من الطفل المبصر.

وترتبط العوامل الثلاثة مع بعضها في عملية تعلم الطفل للغة ارتباطا وثيقا، كما تعتبر الحالة الصحية للطفل عاملا مؤثرا في مدى قدرة الطفل على استيعاب اللغة وعكسه صحيح، وتؤكد كثيرا من الشواهد والبحوث الإمبريقية (النظرية) في علم نفس الطفل والنمو أن الإناث يسبقن الذكور من الأطفال في تعلم مفردات اللغة والنطق وحتى المشي.

كما أشارت البحوث اللغوية إلى أن أول الكلمات التي يتعلمها الأطفال هي أسماء الذوات، مثل بابا وماما، وأسماء الأقارب والأشخاص ويليها الأفعال ثم الصفات ثم الضمائر ثم الحروف  فالروابط، ويرجع سبب ذلك إلى أن الطفل يسير في ارتقائه اللغوي وفقا لارتقاء فهمه ونمو مداركه.

 أنواع التعبيرات المختلفة عن الطفل:

1- التعبير التلقائي و الإدراكي عن الانفعالات عن طريق الأصوات، والحركات الجسمية.

2- التعبير عن المعاني عن طريق محاكاة أصوات الحيوانات ومظاهر الطبيعة.

3- التعبير عن المعاني عن طريق اللغة باستخدام الجمل والمفردات.

4- التعبير عن المعاني عن طريق الإشارات اليدوية  والجسمية.

أنواع الأصوات التي يعبر بها الطفل:

1- أصوات وجدانية وتلقائية، أو أصوات التعبير الطبيعي عن الانفعالات، وهي الأصوات الفطرية، التي تصدر عن الطفل أثناء مروره بحالة انفعالية في حالات الخوف والألم والجوع والفرح والغضب والسرور والدهشة، معبرا عن البكاء أو الضحك أو الصراخ الوجداني.

2- الأصوات الوجدانية الإرادية هي الأصوات السابقة، ولكنها تتم بتعبير إرادي من الطفل، لإرغام الكبار على تحقيق رغباته، بحيث تكونت لديه الخبرة من استجابة الكبار له في المواقف الانفعالية المختلفة، مما يدفعه إلى محاولة استثمار هذا التعاطف، كما يقوم بنفس العملية فيما غير الاستنجاد، وفي هذه الحالة يحكي الطبيعة الفطرية.

3- أصوات الإثارة السمعية: هي أصوات فطرية غير تقليدية، تصدر عن الطفل في الشهور الأولى، نتيجة الاستجابة لسماع الأصوات المرتفعة، مثل صوت المذياع والتلفزيون وتظهر هذه الأصوات مع بداية الشهر الثاني من عمر الطفل.

4- أصوات التمرينات النطقية: تظهر هذه الأصوات لدى الطفل بدءا من الشهر الخامس، إذ يميل إلى تمرينات أعضاء النطق واللعب بالأصوات، وتكون خالية من المعنى، وقد أطلق عليها الباحثون: اللعب اللفظي.

5- الأصوات التي يحاكي فيها الطفل أصوات الأشياء  والحيوانات والطيور، مثل صوت السيارة والقطة  والعصافير...إلخ وتصدر هذه بشكل إرادي لإثبات قدرة الطفل على التقليد.

6- الأصوات المركبة ذات الدلالة، والمقاطع الوضعية التي تتألف منها الكلمات، وهي عملية إرادية، يبدأ فيه الطفل التمييز والإدراك، ويتوفر لديه المزيد من المخزون اللفظي، ويمكنه من إدراك المعاني وسياقات الجمل المختلفة، وتعرف هذه المرحلة بمرحلة الاستقرار اللغوي، تبدأ من السادسة حتى الثامنة.

وهذا يؤهله الالتقاء بالتعليم الأساسي، وإن كان يشعر بنوع من الصعوبة في تعلم اللغات الأجنبية، نتيجة استقراره اللغوي على أحادية اللغة التي ينطق بها.

وقد قام لينبرغ بدراسة مماثلة لهذا، التي يمكن إيجازها كما يلي:

4 أشهر إصدار حادة وهمهمات.

6 إلى9 أشهر مناغاة وأصوات، مثل: (ما) (دا).. ويقلد الأصوات.

12 إلى18 شهرا يكتسب عددا قليلا من الكلمات، مثل: (لا).

18 إلى21 يكتسب 20  200 مفردة يفهم الأسئلة البسيطة، ينتج جملا من كلمتين.

21 إلى30 شهرا يكسب 300  400 كلمة، ويكون جمل من 3 كلمات.

30 إلى33 شهرا يتزايد عدد مفرداته بسرعة، ويكون جملا من 4 كلمات.

36 إلى39 يكون قد اكتسب1000 كلمة، وتكلم بوضوح تام، و استعمل القواعد المعقدة.

 

عيوب النطق:

كشفت لنا دراسة القدماء لظاهرة عيوب الكلام، أنهم عرفوا فروقا دقيقة بين أنواع هذه العيوب، وأعطوا لكل منها مصطلحا خاصا بها حتى إنه يذهلنا هذا الحس اللغوي الذي يميز بين الدرجات المتفاوتة في كل عيب من هذه العيوب...ويمكن حصر بعض  عيوب الكلام في الأنواع التالية:

1- كثرة الكلام و التزيد فيه:

2-  الخلط في الكلام و الخطأ فيه.

3- سوء إخراج الأصوات، وتضم مايلي:

1- العيوب العضلية.

2-  العجلة والسرعة.

3- التوقف والتردد وعدم القدرة على الكلام وصعوبته.

4- الكلام الخفي الغامض.

4- إبدال صوت بصوت أو غلبة صوت ما في الكلام.

النوع الأول: كثرة الكلام والتزيد فيه

ويضم عيوبا متعددة نوردها بإيجاز شديد، منها:

1- الإسهاب: إذا أكثر في الكلام وأطال من غير طائل. فهو يختلف عن الإطناب، إذ إن هذا الأخير هو إطالة الكلام لغاية بلاغية.

2- البربرة: جاء في المخصص: البربرة: كثرة الكلام،  ويرادف المكثار والمكثير والوقواق والبقباق.

3- التفيهق: هو الذي يتوسع في الكلام ويفتح به فمه، وهو مأخوذ من الامتلاء والاتساع، وقد ورد عن الرسول (ص) قال: "أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون".

4- التزيد: هو التكلف في الكلام.

5-  التعقيب والتعقير:  هما بمعنى واحد، هو التشديق في الكلام بأقصى الحلق.

6- الثرثرة: كثرة الكلام وترديه في تخليط.

7- الخزم: زيادة حرف في الكلام، أي تكون داخل التركيب، مثل: "وصاليات ككما يؤتففين" فزاد الكاف على كما.

8- الطمطمة: هي مط الكلام وتطويله.

النوع الثاني: الخطأ في الكلام و الخلط فيه

1- التبكل: هو الاختلاط في الكلام.

2- الثغثغة: الكلام لا نظام له.

3- الخجخاج: الذي يهمز الكلام ليست لكلامه جهة

4- الخضض: الذي في كلامه خلطة.

5- الهتر: هو السقط والخطأ في الكلام.

6- الهذر: هو الكلام الذي لا معنى له.

النوع الثالث: سوء إخراج الأصوات

هي عيوب ناتجة عن سوء إخراج الأصوات لعلة فيسيولوجية  كعيب في الفم أو في الأسنان....أو ناتجة عن السرعة أو التردد مما يجعل الكلام غير مفهوم والأصوات غير واضحة؛ ويمكن تقسيم هذه العيوب بالطريقة التالية:

· العيوب العضوية: وهي ترجع إلى أسباب ذات طبيعة عضوية فسيولوجية وتضم:

ـ البكم: قال ثعلب: أن يولد الإنسان، لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر.

ـ الخرس: هو ذهاب الكلام عيا أو خلقة، وتربط أسباب ظهوره بعاملين: داخلي و خارجي.

فالعامل الداخلي: يكون خلقة، أي يولد هذا العيب مع الطفل. أما العامل الخارجي فيرجع في الأساس إلى مرض ما، فيؤثر على اللسان، ومن ثمة لا يستطيع صاحبه التكلم، وقد يكون بسبب إصابة في جهاز السمع، وبالتالي لا تصل الذبذبات الصوتية إلى الأذن.

· الجلع: هو ابتعاد الشفتين عن الأسنان بحيث تترك أثرا واضحا على إخراج الأصوات الأسنانية والشفوية، ومنه الأجلع: الذي لا تنضم شفتاه على أسنانه.

· الخنة و الغنة: وهي أن يُِشرب الحرفَ صوتُ الخيشوم، والخنة أشد من الغنة.

*العجلة والسرعة: وتضم عيوبا متعددة، ومنها:

1- البعبعة: تتابع الكلام في عجلة، وقيل هي حكاية لبعض الأصوات.

2- الزلق: هو عيب مصدره إسراع اللسان في نطق الكلام، وهو بمعنى الزلق وهو الانزلاق في الخطأ اللغوي سبب العجلة.

3- اللقلقة: وهي السرعة حركة اللسان في الحديث؛ ذلك أن اللسان لا يقوم بدوره كما يجب في إخراج الصوت على صورته الصحيحة.

4-  الورورة : الإسراع في الكلام من غير تفكير.

*التوقف والتردد وعدم القدرة على الكلام وصعوبته، ومن هذه العيوب نجد:

1- البكء: أصله قلة البيان ويطلق على حالات العجز عن السيطرة على الكلام .

2- التعتعة: وهي الكلام لا نظام له، وأيضا كلام من تغلب على كلامه التاء و العين.

3- التلعثم: وهو تباطؤ في اللسان بسبب علة في جهاز النطق أو اضطراب عارض كالخوف أو الخجل.

4- الحبسة هي تعذر الكلام عند إرادته، وتعرف في الأبحاث الحديثة بـ Aphasia وهي اضطرابات في اللغة أو في الوظائف اللغوية الناتجة عن الإصابة في الدماغ، وتعرف أيضا بمجموعة عيوب تتصل بفقد القدرة على التعبير بالكلام أو الكتابة أو عن القدرة على فهم معنى الكلمات المنطوقة بها، أو إيجاد الأسماء لبعض الأشياء  والمرئيات أو مراعاة القواعد النحوية المستعملة في الحديث أو الكتابة حسب الوظيفة اللغوية يمكن تقسيم الحبسة إلى ما يلي:

حبسة اسمية: يكون المصاب بها عاجزا عن فهم أسماء الأشياء أو معانيها.

حبسة لفظية: يكون المصاب بها عاجزا عن إحضار الكلمات قولا و كتابة.

حبسة نحوية وصرفية:  يعجز فيها المصاب عن تكوين جمل سليمة من حيث التراكيب والتعبير وتراعي القواعد النحوية للغة مجتمعه.

حبسة دلالية: تتعلق بالعجز عن إدراك معاني الكلمات داخل الجمل المركبة، في حين يستطيع المصاب بها فهمها منفصلة عن بعضها البعض.

وبناء على الأبحاث التشريحية إن الحبسة تصنف إلى:

حبسة حركية أو ما يعرف بأفازيا بروكا: حيث يفقد المصاب بها القدرة على التعبير، ولا يتعدى محصوله اللغوي كلمة "نعم" أو "لا"، أو يقتصر كلامه على كلمة واحدة كأن يقول: "محمد" أو "ولد" كلما حدثه أحد. تنتج هذه الحالة عن خلل في الجزء الخارجي من التلفيف الجبهي الثالث للمخ والقريب من مراكز الحركة لأعضاء جهاز النطق، إلا أن المريض في الحالة هذه؛ لا يشكو من أي اضطراب أو عجز في فهم معاني الكلمات المنطوقة أو المكتوبة، ومن ثمة يمكن وصفها بأنها "حبسة تعبيرية".

حبسة حسية أو ما يعرف بأفازيا فيرنك: لاحظ العالم "فيرنك"  أن هذه الحالة تنتج عن تلف في الفص الصدغي من الدماغ والتي تؤدي إلى إتلاف الخلايا التي تساعد على تكوين الصور السمعية للكلام، و ينتج عن هذا التلف ظاهرة تسمى "العي السمعي" حيث يفقد المصاب بها القدرة على تمييز الأصوات المسموعة وإعطائها دلالاتها فيصبح كلامه مبهما متداخلا، فالمشكلة إذن تتعلق باضطراب  في القدرة الإدراكية  السمعية وليس بالإدراك البصري والذي توحي به الكلمة "العي".

حبسة نسيانية: وهي عدم القدرة على تذكر أسماء الأشياء فإذا طلب من المصاب بها تسمية شيء ما؛ فإما أن يلوذ بالصمت أو يذكر الغرض الذي يستعمل فيه هذا الشيء بلا  ذكر اسمه الذي نسيه.

حبسة كلية: وهي من الحالات النادرة، حيث يعاني المصاب بها من حبسة حركية وحسية نسيانية مع عجز جزئي في القدرة على الكتابة بسبب إصابة الدماغ بنزيف دماغي أو بجلطة دموية تؤدي إلى انسداد الأوعية الدموية المؤدية إلى المخ.

*الكلام الخفي الغامض: يضم عيبا متعددة منها:

الزهزمة: الكلام الذي لا يفهم.

المعمس: الكلام الغامض.

الغمغمة: نوع من الكلام لا يكاد السامع له يميز صوتا منه ولا يبين معناه، لأنه أصوات مختلقة.

النوع الرابع: إبدال صوت بصوت أو غلبة صوت ما في الكلام

يضم هذا النوع أشكالا متعددة من العيوب تتعلق أساسا بإبدال الأصوات وقلبها أو غلبة صوت ما على بقية الأصوات أثناء الكلام ومن هذه العيوب نجد:

1- التأتأة أو التمتمة: وهي التردد في التاء، وقال الأصمعي: إذا تتعتع اللسان في التاء فهو تمتام.

2- التعتعة: من تغلب على كلامه التاء والعين.

3- الفأفأة: التردد في الفاء.

4- اللثغة: أن يصير الراء لاما.

هذه بعض المصطلحات التي استعملت في المصادر القديمة بشأن عيوب اللغة و الكلام، وسوف نعرج إلى إسقاط بعض الدراسات الحديثة التي نأمل أن تساعد المتعلم الحديث في اللسانيات العصبية إلى ربط القديم بالحديث من خلال التعرف على مجموعة من المصطلحات اللسانية القديمة وربطها بالحديثة وهذا هو الهدف الأسمى من اللسانيات الحديثة، كما سنعرف ذلك في الموضوع الأخير.


الملاحق

1ـ يجب عى الطلاب البحث عن مدلول هذه المصطلحات؛ لأنها داخلة في إطار المنهج، وهي:

ـ اللغة الخاصة

ـ اللهجة

ـ اللغة المشتركة

ـ اللغة الرسمية

ـ اللغة الدولية

ـ اللغة الأولى واللغة الثانية

2ـ للقراءة فقط:


les langues les plus parlées dans le monde

© Microsoft Corporation. Tous droits réservés.

Microsoft ® Encarta ® 2007. © 1993-2006 Microsoft Corporation. Tous droits réservés.

On compte près de 7 000 langues différentes dans le monde ! 33 % d’entres elles se trouvent en Asie, 30 % en Afrique, 19 % en Océanie, 15 % en Amérique et 3 % en Europe. Parmi elles, seulement 200 environ s’écrivent.

UNE REPARTITION INÉGALE

Les langues ne sont pas toutes également réparties. Elles ne sont pas toutes parlées par beaucoup de gens : il existe même de très fortes disparités, puisque les spécialistes estiment que 95 % des habitants de la planète se partagent environ 75 langues.

Si on imagine qu’un village de 1 000 habitants représente la population de la Terre, alors 209 personnes parleraient le chinois, 115 l’anglais, 80 l’hindoustani (langue de l’Inde), 60 l’espagnol, 55 le russe, 40 l’arabe. Le français arriverait en 10e position (25 habitants), derrière le bengali, le portugais et le japonais, mais devant le malais-indonésien et l’allemand.

LES LANGUES VIVENT ET MEURENT

Les langues vivent et meurent, elles ne sont pas figées : elles naissent, se transforment, disparaissent.

On appelle « langues vivantes » les langues parlées aujourd’hui dans le monde. Les langues qui ont disparu, comme le latin, le grec ancien, le sanskrit (ancienne langue de l’Inde) ou le sumérien (ancienne langue de la Mésopotamie) sont des « langues mortes ».

Plus de 400 langues sont en danger et pourraient s’éteindre dans les années qui viennent, probablement en moins d’une génération. Pourquoi ? Tout simplement parce que seuls quelques vieux sages les parlent encore, et que plus personne ne les apprend.

Les langues parlées dans le monde aujourd’hui changent sans cesse. En français par exemple, de nouveaux mots, de nouvelles expressions apparaissent tous les jours, tandis que certains mots disparaissent.

COMMENT CLASSE-T-ON LES LANGUES ?

On classe souvent les différentes langues selon leur origine. On peut ainsi dessiner une sorte d’arbre généalogique des langues : deux langues appartiennent ainsi à la même famille lorsqu’elles ont une langue-ancêtre commune. Pour décider si deux langues appartiennent à la même famille, on étudie leurs sons, leurs mots et leurs grammaires.

Les langues du monde sont ainsi réparties entre 11 familles ; le français par exemple, comme d’ailleurs la plupart des langues européennes, appartient à la famille indo-européenne. Ces grandes familles sont elles-mêmes divisées en groupes ; à l’intérieur de la famille indo-européenne, par exemple, le français et l’espagnol sont classés parmi les langues romanes, tandis que l’anglais et l’allemand appartiennent aux langues germaniques.

Certaines langues sont très difficiles à classer : c’est le cas du basque par exemple, qui est parlé en Espagne et en France, mais qui n’est pas une langue indo-européenne. D’autre part, certaines familles sont encore très mal connues. Enfin les spécialistes cherchent aussi à mieux comprendre l’histoire ancienne des langues et à répondre à la question : quelle langue parlaient les hommes préhistoriques ?

Il est également possible de classer les langues selon leur fonctionnement grammatical.

EXISTE-T-IL DES LANGUES INTERNATIONALES ?

Les hommes ont toujours eu besoin de langues pour se comprendre au-delà des frontières, pour apprendre à se connaître, pour faire du commerce et des affaires.

Dans le passé, différentes langues comme le grec ancien et le latin ont joué ce rôle de langue internationale.

Aujourd’hui, l’anglais est la première langue internationale : de très nombreux enfants et adultes dans le monde l’apprennent et le parlent, même si cet « anglais international » n’est pas exactement l’anglais britannique ou américain, mais bien un outil de communication entre les différents pays.

Le français et l’espagnol sont aussi des langues internationales, puisqu’elles sont parlées sur tous les continents.

Une langue internationale n’est pas forcément une « vraie » langue : depuis plus d’un siècle, on a ainsi essayé de créer de nouvelles langues internationales artificielles (le volapük, l’esperanto, l’interlingua, le glosa), sans grand succès.

 

Microsoft ® Encarta ® 2007. © 1993-2006 Microsoft Corporation. Tous droits réservés.

 

فصيغ الأفعال الفرنسية ـ وعددها ثمانية - تحمل كل صيغة منها عدداً من الحروف الحية يبلغ الستة أحياناً، تكتب ولا تنطق، أما الحروف الساكنة فتتبع مثنى وثلاث في أوائل الكلمات وأواخرها بصورة مزرية لا يمكن تعليلها، أما إغفال النطق بعلامات الجمع في الأدوات والأسماء فيطَّرد في هذه اللغة كما يطرد النطق بحروف كثيرة على غير ما تكتب به.. هذا فضلاً عن أنها أصبحت لغة متأخرة في المجال؛ فهي عالة على أختها الإنج ليزية التي أصبحت تقتبس منها دون استحياء.. لقد أريد لناشئتنا أن تنسلخ من لغتنا العربية وتلبس لبُوس اللغة الصليبية التي يعترف أصحابها أنفسهم بقصورها، ولولا قوة أهلها ما انتشرت.

الموقع بلا فرنسية، الفرنكوفونية ومحنة اللغة العربية بالمغرب، عبد الناصر المقري ، مجلة البيان، 26 يناير, 2008

أضواء على الدراسة اللغوية المعاصرة، د. نايف خرما، عالم المعرفة (اللغة و المجتمع) ص: 169.

أخبار قسم اللغة العربية

مختبر اللسانيات اللسانيات العربية الحديثة