الجمعة، 1 يوليو 2016

لغات أفريقيا ! نحو تنمية مستدامة



لغات أفريقيا !
نحو تنمية مستدامة[1]            
 مقاربة وصفية
     مدخل
    إن اللغات الأفريقية[2] عرفت بعض الدراسات المهمة، وإن كان هناك ثمة تباينٌ في هذه اللغات من حيث الفصائل والأسر من جانب، ثم قانون اللغة من جانب آخر، وقد حظي بشرف أغلب هذه البحوث ألسنيون غربيون، وقليل من الدراسات العربية وغيرها.
    ربما يندهش القارئ العزيز عندما يصطدم بهذا العنوان، المتمثل في " لغات أفريقيا " وإمكانية تحليلها في صفحات قلائل! وقد يندهش أيضا منْ مؤَلِفٍ يعرف كلَّ هذه اللغات!؟ وربما انتابه الحيرة في ربط اللغات الأفريقية بالتنمية لا المتوسطة ولا القريبة بل المستدامة[3]
    في الواقع، إن الموضوع ليس مدعاةَ للدهشة، إذ إن المؤلف يستعين على تحليل الموضوع بنتاج علمي لعدد من الباحثين والخبراء والانتربولوجيين، واللسانيين، والسوسيو لسانيين، والجغرافيين...إلخ من جانب، ينضاف إلى ذلك نتاج فرق بحثية للتخطيط اللغوي في العالم، التي تنبني على معطيات علمية من أبناء الدول أنفسهم أو مؤسسات رسمية تابعة للدول.
    للإجابة على مدى معرفة المؤلف لهذه اللغات الأفريقية اللامتناهية، فإن المؤلف في الواقع لا يعدو أن يكون لسانيا يسعى إلى وصف معطيات لسانية على نهج معين، ثم إن ذلك لا يمنعه ـ كأي أفريقي أيضا ـ أن يكون على دراية بعدد من اللغات.
    في الواقع ـ ربما لا يجانبني الصواب اليوم إذا قلت ـ إن كلمة " أفريقيا" تؤشر على الفقر، التي تحمل في طياتها المرض والجوع والعنف...إلخ؛ وأن هذا الوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه القارة منذ عقود ـ إذا لم نقل قرون ـ  ألاَ يعكس عفويا على واقع الحياة اللغوي. نقول: نعم! رغم ما تعانيه القارة السمراء من انهيار اقتصادي وفقر مدقع، فإن مما لا يتناطح فيه عنزان اليوم، أن بعض اللغات الأفريقية ـ التي سنراها في هذا البحث ـ مَهْما تعاني من صراع لغوي فإنها تعيش حالة لا بأس بها، وبالتالي يمكن أن تكون عُمْلة صعبة لدرِّ نفع وخلق تنمية مستدامة في أفريقيا.
     ويجب أن نضع النقاط على الحروف بأن ما سيتكرر لدينا من التطور اللغوي لا يدخل تحته تطور كائني ONTOGENÈSE  ولا تطور النوع PHYLOGENESE، ولا يهمنا كثيرا تطور الحقبة التاريخية [4]DIACHRONIE لهذه اللغات التي نحن بصددها؛ بقدرها يهمنا ـ في بحثنا ـ تطورُ عملية استعمال اللغات الأفريقية متمثلا في انتقالها من مرحلة استعمال شفهي إلى كتابة أبجدية[5] في مختلف مستوياتها اللغوية، واستعمالها في التعليم، وفي مستوى عال من التواصل، ولتكون سلعة تشترى في مختلف أسواق إقليمية ودولية.
     وسوف نحاول الإجابة في هذا البحث عن الأسئلة التالية: هل تتطور اللغات الأفريقية؟ إذا كان الجواب بنعم، فما مجالات هذا التطور؟ وما الوسائل المستخدمة في تنميتها؟ إذا كانت اللغات تستعمل في التنمية؛ أليست تعادل النقود والعملة؟ ماذا نجني من هذا التطوير؟ وهل تصلح كل اللغات الأفريقية لهذا التطور؟


[1] ـ د. إسماعيل زَنْغُـو بَرَزِي، أستاذ مساعد في اللسانيات العامة والعربية بقسم اللغة العربية، جامعة بماكو، مالي. للمراسلة baraziismaila2000@yahoo.fr
[2] ـ  تسفر أحدث دراسة ـ حسب علمي ـ عن أربع فصائل لغوية كبرى:1ـ نيجرـ كنغو: وحسب Grimes 1996 فإن هذه الفصيلة تمثل أكبر من نوعها على العالم من حيث المساحة والمستعملين؛ إذ تعرف 1436 لغة، وتحتضن عددا من الأسر اللغوية الكبرى كـ: الكردفانية، الماندي، أطلنطيك، إجويد ijoides، دوغون، فولتا، كنغو شمالية، كونغو جنوبي. وفي طياتها بعض اللغات الكبرى كـ: ولوف، فلانية، مانديغ، أكان، يروبا، إيبو، سانغو، وعدد هائل من لغات البانتو، منها: زولو، كونغو، لنغالا، لوبا، لوندا، روندي، شوانا، سوتو، سواحلية، تستوانا، خواسا، زولو.  2 ـ  نيلوـ صحراية: تعرف بعض الأسر المستقلة: صنغي، صحراوية، كولياك kuliak، أو غير المستقلة كـ: مابان، فُور، وسط السودان، برتا. 3 ـ أفروـ أسيوية: تعرف 371 متنوعة لغوية، مع أسرها اللغوية الكبرى: التشادية، الأمازيغية، المصرية، السامية، الكوشية، الأمويةOMOTIQUE ، ويلاحظ أنها الفصيلة الوحيدة المستعملة في أكثر من قارة، وذلك انطلاقا من اسمها. وتمثل العربية أكثرها من حيث الانتشار؛ إذ تمثل اللغة السائرة LIGUA FRANCA .4 ـ خويسان: تعرف في السابق بـ بـُشْمان Bushman  أو هوتنتوت Hottentotes، وتمثل أصغر فصيلة لغوية في أفريقيا، وحسب Greenberg  1963 A  أنها بلغاتها ولهجات تعد بالمئة أو أكثر، ولكن في الوقت الراهن انقرض منها الكثير فلم يبق منها إلا حدود الثلاثين. راجع، Heine &  Derek Nurse Bernd, Les langues Africaines 2004, Karthala, Parisـ  ،pp : 7- 122..
[3] ـ إن مصطلح "التنمية" يلفت انتباهنا إلى التنمية الاقتصادية، التي تعتمد على استغلال الموارد الطبيعية، كالزراعة والصيد والرعي...إلخ. فيمثل الدخلُ الأساس في غزارة التنمية، أو قلتها. أما التنمية المستدامة: فهي موضة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تسعى إلى ضمان استمرارية الإرث الطبيعي للأرض، وتتعزز التنمية المستدامة بتدبير رشيد rationnelles للموارد الطبيعية  والإنسانية والاقتصادية، لتلبية الاحتياجات الأساسية للإنسانية جمعاء بشكل مناسب. راجع،  Encarta  2009
[4] ـ راجع، بسام بركة، معجم اللسانيات، جروس ـ برس، لبنان، بلا سنة. وقارنه، بـ دروس في الألسنية العامة، دي سوسير، ت/ صالح القرماد وآخرون، ص: 129،الدار العربية للكتاب، 1985، تونس
[5] ـ راجع عينة من أبجديات اللغات الأفريقية في الملاحق.

المشهد اللغوي في أفريقيا مسار وعوائق



المشهد اللغوي في أفريقيا
مسار وعوائق
     في الواقع هناك أشياء يجب إزالة الضباب عنها، منها أصالة اللغات الأفريقية وضربها في القدم؛ يكمن ذلك فيما يتردد أحيانا في بعض المجلات المتخصصة والصحف، إذ نشر Gautam Naik بحثا معنونا تحت " أم اللغات " في صحيفة the wall street journal  يخلص فيه إلى ما  تشير إليه دراسة جديدة في " أن اللغة التي يتحدث بها البشر الأفريقي في وقت مبكر بين 50.000 و 70.000 سنة مضت، ساهمت في نجاح التطور للجنس البشري [... ] ويستند أبحاثه على الفونيمات، والوحدات المميزة للصوت مثل حروف العلة، ونغمات الحروف الساكنة"[2]. ويذهب أيضا إلى أن بعض اللغات الأفريقية تستخدم ما يزيد على 140 فونيما، مقارنا بمثيلاتها في قارات أخرى التي تستعمل أقل من ذلك بكثير ـ كما سيتضح في الرسم أدناه ـ فقارنها بغيرها ليستنتج أنها ساهمت في تطوير الفونيم أساسا، ثم تأثيرها في غيرها من اللغات العالمية المختلفة، وفي نفس السياق ذهب الدكتور أتكينسون، بل إلى أبعد من ذلك، عندما توصل إلى دعم مقولته بـ" الأدلة الجينية مؤخرا " ليخلص إلى " أن الإنسان الحديث ظهر في أفريقيا وحدها"[3].

     و في نفس السياق نشر John McWhorter مقالة في صحيفة the root بعنوان " للتعرف على اللغات، اسأل أفريقيا تخبرنا عن أصولنا" استند المؤلف على أدلة جينية مبنية على " نقاط الحمض النووي  ليخلص أن أفريقيا هي مهد البشرية، وأن معظم أصوات المعمورة تنحدر منها [4]"
     إن الذي يتتبع الظروف التي تمر بها اللغات الأفريقية، لا ينتابه شك في أنها تعيش وضعا مزريا، إذ يعكس القارة ذاتها؛ لما تعرف من الكثرة، وقلة الاهتمام من جانب، مرورا بالهيمنة اللغوية والوضع الاقتصادي المتردي وعدم التخطيط اللغوي والهرمية...إلخ، كل ذلك ألا يمكن أن  يكون لها  مردوديات؟!
وعليه يمكن أن نطرح السؤال التالي: ما الظروف التي تمر بها اللغات الأفريقية؟ وما هي العوائق التي تحول دون تطورها؟


[1] ـ د. إسماعيل زَنْغُـو بَرَزِي، أستاذ مساعد في اللسانيات العامة والعربية بقسم اللغة العربية، جامعة بماكو، مالي. للمراسلة baraziismaila2000@yahoo.fr
[2]- URL:http://online.wsj.com/article/SB10001424052748704547604576262572791243528.html؟mod=googlenews_wsj
[3] ـ راجع الجدول في  ملحق الخرائط.