الاثنين، 12 يوليو 2021

مذكرة في الثنائية والتعدد اللغوي ذ. إسماعيل زنغو برزي أ. عبد العزيز مبغا

الثنائية و التعدد اللغوي


1- الثنائية اللغويةle bilinguisme :

تعرضت الثنائية لكثير من التعريفات يمكن إيراد بعضها:

1- بلومفيلد معرفة لغتين إلى درجة مماثلة لمعرفة لغة الأم.ََ

2- بركة استعمال لغتين بمستوى واحد من الإتقان.

3- بوكوس قدرة المتكلم أو الجماعة اللغوية على استعمال نسق لغتين بالتناوب alternativement.

      وعلى ضوء التعريفين (2،1) فقد طرح مبدأيْ: الاستعمال و المعرفة لتحديد ماهية الثنائية التي تعني إمكانية تمظهر اللغتين، بيد أننا نفهم في التعريف الأخير: القدرة الذهنية على معرفة قواعد اللغتين، وعليه فلا يوجد فرق كبير بين هذه التعريفات؛ إلا أن ما أرجحه بينها هو التعريف الأخير لتمتعه الشمولية؛ فقد جمع بوكوس في تعريفه بين القدرة اللغوية للفرد أو الجماعة مع النسق اللغوي، وهما أسـاسيان- حسب فهمي  للثنائية التي نتوخى إليها. وتقتضي الثنائية بعض الروائز المهمة حسب بوكوس أيضا:

التركيب composé  و الاختلاطmixte ، عندما تستعمل اللغتان بطريقة  مختلفة أو عندما يكون هناك رمز الاقتراض code switching.

التنسيق coordonné:عندما تستعمل اللغتان بطريقة نظامية ووظيفية حسب الوضع التواصلي.

التماثلية symitrique : عندما تكون اللغتان قد ضبطتا بالتساوي.

اللاتماثليةasymitrique : عندما تضبط اللغتان بطريقة غير متساوية.

الفهم  intellection و التعبير expression  عندما تكون اللغتان قد فهمتا وتـُكلمتا.

-   الفهم intellection : عندما تكون إحدى اللغتين- فقط- فهمت وتعذر التحدث بها.

      وقد خلص بوكوس بعد استعراض هذه المميزات إلى أن المتكلم الثنائي اللغة النموذجي، هو: مَن يتأهل لاستعمال لغتين مختلفتين متزامنتين مرتجلتينperforme  بلا غموض استعمالا ووظيفة، ولكن يتحقق هذا التأهل لدى عدد قليل من الناس، وعليه يمكن القول بأن الثنائية اللغوية لا يمكن أن تكون على مستوى الجماعة sociale ، بل تكون أساسا فرديا.

    في ضوء ما سبق نفهم أن الحجر الأساس للثنائية يتركز على استعمال نظام لغتين فقط كما هو الحال الذي يقع عليه انطباعاتنا الأولية عند دراسة هذا الموضوع الذي يوجد  أحيانا- في كثير من أقاليم مالي خاصة في أجزاء متفرقة من:

 كاي: نظرا لأن اللغات الموجودة في هذا الإقليم كثيرة، منها: الفلانية، سركولي، كاسنك  ( إحدى لهجات المانديكا  كالبمنان ) .. إلخ فيجيد ساكنوها لغة الأم بالطبع، ثم إحدى هذه اللغات.

 سيكاسو:  تعرف هذه  اللغات: سيناره، بومو، مماره، يجيد أبناء هذه اللغات إلى جانب لغتهم الأم البمنان مثلا أو غيرها.

غاو: يوجد بها صنغي، فلانية، تماشيك، حسانية (لهجة عربية)، وغالبا ما يجيد أبناء هذه اللغات الأخيرة إلى جانب لغاتهم - لغة- صنغي أو غيرها.

وهناك ظاهرة أخرى - في اعتقادي- يمكن أن ينضوي تحته عفويا وهو:التعدد اللغوي muliliguisme    الذي هو نسق منتشر في مجتمعاتنا أيضا خاصة  في إقليميْ:

 موبتي و تمبكتو: ذلك أن اللغات الأكثر انتشارا في ضواحي المنطقتين هي: فلانية، بوزو، صنغي، ويجيد بعض أبناء هذه المنطقة اللغات الثلاثة، وإلا فاثنتين إلى جانب البمنان بدرجات متقاربة جدا إن لم نقل متوازنة. وبهذا نخلص أن مالي تعرف الثنائية اللغوية في أكثر المناطق غير الحضرية، بل و حتى التعدد اللغوي الذي نجده منتشرا أيضا في الأقاليم الشمالية.

  2-  الازدواجية اللغوية la diglossie

يمكن إيراد بعض التعريفات لها:

1. استعمال طبقي hiérarchisé للغتين أو لهجتي اللغة الواحدة، إذ يكون أحدهما أقل قيمة اجتماعيا .

2. استعمال لغتين متناوبتين في الدلالة الثقافية sémio-culturel  المختلفة، أو عندما تمثل اللغتان وظيفة تواصلية متممة. 

        3. هي عندما تكون هناك متنوعتان أو أكثر لنفس اللغة - في عدة مجموعات لغوية - يستعملها المتكلمون تحت شروط مختلفة، و أكثر الأمثلة انتشارا لهذا النموذج  هو اللغة المعيارية  )القياسية    (و اللهجات المحلية  .

      لتسليط الضوء على هذه التعريفات يمكن القول، إن التعريف الأول قد تركز على الطبقية بين اللغتين أو اللهجتين من نفس الفصيلة الجينينيكية، مركزا على جانب الخدمة أو استعمال اللغة اجتماعيا، بيد أننا في التعريف الثاني نجد أنه قد تبنى التناوب المبني على دلالة البنى ليكون حجر الأساس في العملية الازدواجية، أو عندما تسعى اللغتان إلى التكامل فيما بينهما، ويمكن أن نرسمه رياضـيا أن: [ < أ >  < ب >]، أي أن لغة < أ >  توظف في مقام لا تستعمل فيه لغة < ب >، أو< أ >  يختلف عن < ب > .

       وقد تعرضت ظواهر الازدواجية للدراسة في كثير من الدول، هذا ما يعكس اختلافا في تعريفها، إذ عَرفت لهجتي سويس ولغتي الكتلانية و الأكسيتان هذه الدراسة.

        و يبدو أن وضع الازدواجية في أية دولة منها يختلف عن الآخر، مما دعا إلى هذا التنوع  التعريفي، وربما يدعونا إلى  القول بأن مصطلح الازدواجية اسم نوعي Hyperonyme، يحتضن في طياته كثيرا من التعريفات، لذلك نخلص إلى عدم محدودية الازدواجية في تعريف واحد.

     أما فرغسون  الذي يستدعينا وقفة- فقد دوّن  في مقالته المطولة كثيرا من المعلومات المهمة، معززا بالأمثلة والجداول، وكما وضح على ضوء تعريفه  السابق - الذي يتركز علي المتنوعة التي تكون من نفس الفصيلة الجينيتيكية، وأضاف أن ذلك هو الحال في إيطاليا و إيران، حيث يوجد عدد من المتكلمين الذين يستعملون لهجتهم المحلية في البيت و مع الأصدقاء، لكنهم يستعملون اللغة المعيارية في التواصل مع المتكلمين من لهجات أخرى، أو في المناسبات العامة.

    وقد تنبه فرغسون إلى أن هذه الظاهرة منتشرة جدا، لكنها تفتقر إلى الكفاية الوصفية، لذلك اختار أربع عينات لغوية تتميز كلها بازدواجية لغوية، و هي: الدول العربية(خصوصا مصر)، ثم اليونان وهايتي، وأخيرا سويسرا. و قد اصطلح فرغسون على تسمية المتنوعة  التي لها وضعية ممتازة  بالمتنوعة الرفيعة ويرمز لها بـ ((H اختصارا، في حين يسمي اللهجة المحلية بالمتنوعة الوضيعة و يرمز لها بـ (L) وسنأتي إلى تطبيق هذه الظواهر على لغاتنا في الإطار التطبيقي.

       وبناء على ما سبق  في التداخل بين التعريفات  يمكن أن نختم هذه الفقرة، بأنه يصعب ترجيح تعريف على آخر بقدرما يسهل انتقاء تعريف  بناء على نوع الدراسة التي نريدها؛ وعليه،   فإن نوع الازدواجية الموجودة على ساحة اللسانيات بمالي و التي نتوخاها في عملنا هذا هو الازدواجية المنبنية على أسس لغوية Langue فقط، وليست لهجيةDialecte ، مما يدعونا إلى انتقاء التعريف الأول للازدواجية اللغوية، وخاصة الشق الأول منه الذي ينبني على الطبقية بين اللغات المختلفة.

الازدواجية و الثنائية في مالي:la diglossie et le bilinguisme au Mali

     إذا كانت مسألة الثنائية اللغوية تتعلق أساسا بالمستوى الفردي، فإن الازدواجية بدورها تدخل في إطار الجماعة اللغوية ككل؛ ذلك أن ظاهرة الازدواجية و الثنائية اللغويتين في مالي معقدة جدا، إذ إن البمنان  وإن كانت تتمتع بالاستعمال  والهيبة الواسعين في المناطق  الجنوبية كذا بماكو وبعض العواصم الإقليمية،  إلا أنها تفقد كل ذلك من وسط الشمال إلى أقصاه،  و الدليل على ذلك «أن ساكني  حوض دلتا  (الفلانيون) لا يشارك البمنان  في النظرة إلى لغتهم ونفس الشيء مع ناطقي صنغي التي تنطق من لدن الشعوب المطلة على نهر النيجر، و(لغة تماشيك)،  ذلك أن الجذور التاريخية واللسانية  لهذه القبائل تختلف تماما عما عند  البمنان، ينضاف إلى ذلك المصـالح التجارية المباشرة مع العــالم المغاربــيMaghreb  على قدم وساق». ولا يختلف عنها سركولي التي - وإن فقدت بعض قيمتها إلا أنها مع ذلك - بدأت تستعيد قوتها. وعلى ضوء ذلك لا يمكن أن نجزم بأن مالي تتوفر على نظام ازدواجي و ثنائي بسيطين، بل مركبين.

      و بعد أن ألقينا هذه النظرة الموجزة على الازدواجية والثنائية، مرورا باللغات المالية، مواقعها وفصائلها وحالتها الاجتماعية؛ نضيف أن اللغات في مالي-على ضوء الازدواجية- تتميز بمجموعة من الروائز اللسانية: منها الوظيفةla fonction ، والهيبة la Prestige، مرورا بالمعيارية، والاستقرار، والحيوية، واختتاما بالاكتسابl’acquisition ، مع الاستفادة من بعض أعمال أحمد بوكوس والعشيري في تحليلهما لموضوعات مماثلة بالمغرب.

1-  الوظيفة والهيبة والاعتبار:

الفرنسية: أكثر وظيفة، وهيبة واعتبارا في أغلب المناسبات بل وحتى الدينية لدى المتثقفين بها؛ إذ أنها لغة رسمية للبلاد، لغة حداثة و عالمية. آلة التواصل بين أغلب المثقفين، وإن كانت نسبة الناطقين بها أساسا قلة - ولكن في الحواضر أفضل من القرى- ناهيك أنها لغة التعليم و التكنولوجية؛ وعلى ضوء الثنائيةbinaire  بين العربية و الفرنسية ينظر المجتمع إلى ناطقيهما بشيء من الاحترام في التخصصات التالية:

كلية الطب

كلية الآداب

كلية العلوم  

كلية الحقوق  فرنسية

كلية الاقتصاد  فرنسي

كلية الشريعة؟

 

فرنسية

فرنسية /عربية

فرنسية

فرنسية

فرنسية

عربية

          ينضاف إلى ذلك أن الصحف تنشر يوميا بها، بيد أن ما تنشر بالعربية شهرية أو مناسِبـّية لا تبلغ أصابع الكف الواحدة.

- العربية: توظف في المواقف التقليدية، وأقل وظيفة من الأولى، وإن كانت تتلوها هيبة واعتبارا، إذ أنها لغة الدين والتدريس، ولغة عالمية.

- البمنان: أكثر اللغات المالية وظيفة؛ إذ هي لغة العامة، بله أنها لغة المثقفين أيضا بعد الفرنســية؛ ذلك أن % 90 من برامج الإذاعة والتلفزة - التي  تبث باللغات المحلية- تنشر بها، كما أنها اللغة الأولى لدى بعض الماليين أو الثانية عند أغلبهم، و تتمتع بالهيبة و الاعتبار في الجنوب وبعض العواصم الإقليمية غير الشمالية.

في ثنائيةbinaire البمنان مع الفرنسية، تتمظهر في مواد الإشهار في الإذاعة و التلفزة الماليين بالطريقة التالية:

        اسم المادة                       اللغة                                     

       مواد التنظيف                    البمنان                          

        السيارات                      الفرنسية                         

       مواد غذائية                     البمنان

        الكومبيوتر                    الفرنسية

     على ضوء هذا الجدول يمكن أن نفهم بكل بسهولة أن الإشهار في المستلزمات الأساسية توظف بالبمنان، بينما تختص الفرنسية بالكماليات، وكما أضحت البمنان تزاحم الفرنسية في الصحافة، إذ تترجم معطيات الصحف الفرنسية إليها.

- الفلانية، الصنغي، السراكولية: تتلو هذه اللغات البمنان –وطنيا- في الهيبة والاعتبار، وتقل عنها بمراحل متفاوتة في الوظيفة، وليس ذلك إقليميا؛ ذلك أن الأولى والثانية أكثر انتشارا من وسط الشمال إلى أقصاه بينما الثالثة في جزأين مختلفين من البلاد، ولكنها جميعا تتمتع بالهيبة والاعتبار الإقليميين، إذ إن مجتمعات هذه الشعوب، لا تقل ثقافة عن البمنان، وتكاد السراكولي أن تزاحم البمنان في توظيفهما لغة السماسرة  ببعض أسواق المناطق الجنوبية.

- البومو، البوزو، السينراه، التماشيك، الدوغوسو، الماماره: هذه لا هيبة لها لا اعتبار؛ لانتمائها إلى مجموعة لغوية أكثر محدودة، إذ توظف في حقل الحياة اليومية. وتتميز كل هذه اللغات عدا الفرنسية بتوظيفها في حقل الحياة الحميمية أو الأسرية أو التجمعات القبلية.

 

 

2- المعيارية والاستقرار و الحيوية:

      تعني المعيارية: Standardisationاللغة المقعدة إن على مستوى الأصوات أو الصرف أو التركيب... إلخ، والاستقرارStabilité: طول حياتها؛ ذلك أن بالمعيارية تستقر اللغة فيمكن قراءة نصوص تزيد كتابتها على قرون، و الحيوية: لغة الأم.

- العربية و الفرنسية تتميزان بالتقعيد والاستقرار منذ قرون، إذ ورثنا الكثير من الكتب التي دونت لحفظ لغاتهما.

- الفرنسية تفتقر إلى الحيوية.

- بقية اللغات الوطنية تنماز بالحيوية، وإن كانت هي الأخرى لغات شفوية بالدرجة الأولى، وأدوات تعبيرية  للأدب والحكايات والأساطير والأمثال والشعر، فتفتقر إلى المعيارية والاستقرار، ومع هذا الاحتشام استطاعت أن تمدنا بإرث أدبي قومي ضخم.

3- الاكتساب

   ويعني الاكتساب: لغة الأم التي يكتسبها الأطفال عفويا واعتباطيا.

كل اللغات الوطنية يكتسبها الأطفال عفويا واعتباطيا.

الفرنسية، لا تكتسب إلا بواسطة التعليم، مما أعطاها صورة اللغات الرفيعة محليا.

وعلى ضوء هذه المقاربة الازدواجية يمكن وضع هذا الجدول:

روائز

بمنان

صنغ

فلانية

سركو

تماش

بومو

بوزو

دوغن

ممار

سينار

فرنسية

عربية

وظيفة

+

+؟

+؟

+؟

-

-

-

-

-

-

+

+؟

هيبة

+

+؟

+؟

+؟

-

-

-

-

-

-

+

+

معيارية

-

-

-

-

-

-

-

-

-

-

+

+

استقرار

-

-

-

-

-

-

-

-

-

-

+

+

حيوية

+

+

+

+

+

+

+

+

+

+

-

+

اكتساب

+

+

+

+

+

+

+

+

+

+

-

+

      لئن نظرنا إلى هذا الجدل لحكمنا بأن العربية أكثر حظا من جميع اللغات، كما يظهر على ضوء جميع هذه الروائز؛ إلا أنها تخفق قليلا في الوظيفة، لأنها محدودة نوعا ما، وتتلوها الفرنسية، التي تفتقر إلى رائزين فالبمنان...إلخ.

 أما على مستوى الثنائيةbinaire فتعرف مالي وضعية الثنائية تالية:

الفرنسية   العربية الفصحى ولهجتها (الحسانية).

الفرنسية   البمنان بلهجة سيغو.

البمنان  الفلانية و الصنغي و السراكولي.

الفلانية و الصنغي و السركولي   بومو (بوبو)، بوزو، دوغون، مماراه (مينيانغا)، سيناره (سينافو)، تماشيك.

وعلى ضوء هذه المقاربة فإن مالي تحتضن نسق الثنائية المركبةcomplexe ، ويمكن رسمها بالطريقة التالية:        

                                   ثنائية:  

                                                    فرنسية           عربية                                                   

                                                  بمنان

                                        صنغي- فلانية- سراكولي      

  بومو (بوبو)، بوزو، دوغون، مماراه (مينيانغا)، سيناره (سينافو)، تماشيك (بربرية).

        على ضوء هذه التشجيرة، يظهر لنا بوضوح الصورة المركبة للثنائية binaire بمالي، إذ يتحقق بالثنائية التي بين الفرنسية والعربية أولا، ثم الثنائية بين الفرنسية والبمنان، و أخرى بين البمنان وصنغي فلانية  سركولي، و رابع بين هذه الأخيرة وبقية اللغات المالية، يعني ذلك أنها مقاربة رباعية.

تأملات حول الثنائية والازدواجية اللغويتين بمالي:

       لقد سبق أن تناولنا الموضوعين من زوايا لسانية مختلفة؛ ونتيجة لذلك، يمكن النظر في الظاهرتين انطلاقا من آثارهما سواء كانت إيجابية و أو سلبية.

أ- آثار إيجابية للثنائية و التعدد اللغويين

1 - خلق قنوات التواصل بين الماليين:

      لقد عرفت الساسة الماليون منذ عهد بعيد أن الثنائية والتعدد اللغويين تساعدان على فتح قنوات التواصل بين شعوبهم، و ينجم عن ذلك تعزيز أواصر التعارف والتحابب أيضا؛ وقد تنـــــبأ بذلك أول رئيــــس الجمهورية موديبو كيتا (1960-1968)، عند حرص - في عهـــده -على تعيين المنخرطين في الوظيفة العمومية في غير مسقط رؤوسهم، وبعبارة أخرى، يعين الجنوبي في الشمال و العكــس صحيح.

       ولا شك أن هذا الشخص المعني، يكون بذلك قد فهم تلك اللغة، أو تكلمها أبناؤه، وربما تزوج من أبناءها أيضا، وكل ذلك قصد خلق جو التآلف و الاندماج بين أبناء الوطن الواحد، وقديما قالوا: من سمع لغة قوم أمن مكرهم.

      و كما أعتقد أن أكبر مستفيد في هذا النظام اللغوي هم التجار، الذين بفضل هذه القدرة اللغوية يمكن أن يتواصلوا بسهوله مع زبائنهم في مختلف اللغات.

 2 ـ العامل الثقافي:

          لقد ثبت بالتجربة أن الشخص الثنائي اللغة أو متعددها، أكثر ذكاء، وقدرة في التعامل مع الآخرين، وأبلغ تأثيرا في المجتمع الذي يعيش فيه، وأكثر حظا في سوق العمل...؛ لأنه التقط ثقافات أخـرى، و " اكتسب معرفة معينة وطريقة تفكير وسلوك معين، زيادة إلى ثقافته". فهو شخص واحد؛ ولكن في الواقع ليس واحدا، لأنه يمتلك قدرة لغوية لشخصين أو مجموعة أشخاص.

3ـ دفع عجلة الاستقطاب السياسي:

      طالما تأكد سعة ثقافة ثنائي اللغة و متعددها، فإن ذلك يمكن أن يفتح أمامه آفاقا سياسية أكثر من غيره؛ ذلك أن الساسة الماليين - وخاصة الرؤساء  من فجر الاستقلال إلى منتصف 2002، يخاطبون شعوبهم  - في المناسبات - باللغة الرسمية  (الفرنسية) و إلى جانبها البمنان فقط؛ لأنهم لا يعرفون غيرها، ولكن - الآن - أكثر من سبع سنوات، تغير لون هذا الخطاب؛ ذلك أن الرئيس الحالي متعدد اللغات، فيوظف أية  لغة منها عند اقتضاء الحاجة في المناسبات وبمجرد أن يستعمل الرئيس لغة من اللغات يشعر أي أبن من أبناء اللغة المنطوقة، أن هذا الرئيس ينتمي إلى قبيلته فيستريح إلى خطابه و يطمئن له.

4-  الدوافع التربوية:

         في الواقع هناك جدلية كبيرة في النظام التعليمي القائم على الثنائية اللغوية، بين داع إليها و معارض لها؛ وإن كنت مع المؤيدين للظاهرة؛ ذلك أن الأطفال الذين يقومون بتعلم أكثر من لغة في مراحل العمر المبكرة، فإن قدرتهم على إجادة هذه اللغات تكون أكبر عما لو تأخر في تعليمهم اللغات في مراحل العمر المتأخرة  ويؤكد ذلك " أن العقل البشري يفقد مرونته Plasticté  بعد البلوغ، لذا فإن تعلم اللغات بعد هذه الفترة من العمر يزداد صعوبة بمرور الزمن"

        كما لا ننسى أن هناك ما يغزز ذلك إفريقيا، إذ نجد في بعض المجتمعات الثنائية اللغوية ومتعددها، يمكن أن يفهم ناشئوه نظام هذه اللغات الوطنية بكل سهولة، و من ثم يتقبل لغة التعليم  بنفس الطريقة التي يتلقاها غيره من المجتمعات الأحادية اللغوية.

ب- آثار سلبية للثنائية والتعدد اللغويين

        إذا كانت الثنائية والتعدد اللغويين يخلفان آثارا إيجابية، وفي المقابل فإنهما يعرفان أيضا بعض الجوانب السلبية، يمكن إيرادها بالطريقة التالية:

 

1- التداخل اللغوي:

         يتعرض ثنائي اللغة أحيانا للتداخل اللغوي سواء بين لغة الأم واللغة الثانية...إلخ، أو بينهما وبين لغة التعليم، فلا يعدو أن يخلط عادات لغة في لغة أخرى.

     2- الغزو الثقافي

        لقد تسببت الثنائية التعليمية بين لغة الأم / اللغة الثانية...إلخ،  والفرنسية في الغزو الثقافـي الاستعماري مما سبب انزعاجا لدى مجموعة كبيرة من الشعب خاصة المستعرَبين منهم؛ فأجـــبر بعضهم على أن يلحـق أبناءه المدارس الفرنسية - على مضض - غير أنها ليست لغتهـم الأم ولا لغتهم الدينية، بعــدما أضحت العربية وغيرها مهمشة، بل و في خطر شديد.

     وتسبب الثنائية اللغوية - خاصة إذا كانت بين اللغات الوطنية واللغات الغربية- رغبة الشديـدة لدى أهلها في التشبه بأفراد المجتمع الأجنبي " يرافقها أحيانا شعور عنده بالتخلي عن الانتــماء إلى مجتمعه الأساسي، وذلك من دون أن يكون لديه بالمقابل شعور بالانتماء الكامل إلى مجتمع آخر، مما يسبب بالاغتراب، وتقهقر القيم التقليدية الخاصة بمجتمعه ".   

 

الخلاصة

       لئن كانت الثنائية اللغوية ظاهرة منتشرة فلا غرو أن توجد التعدد اللغوي mutiliguisme   في الساحة اللغوية المالية وبخاصة في ضواحي منطقتي موبتي و تمبكتو، وعلى ضوء ذلك عرضنا اللغات المالية من حيث انتشارها، مواقعها في الخريطة اللغوية، لهجاتها، تواريخها البسيطة.

       وكما توخينا في هذا العمل المتواضع استعراض الثنائية والازدواجية اللغويتين، على ضوء معطيات لسانية، ثم حاولنا تطبيقهما على اللغات المالية تحت هذه الروائز: الوظيفة، الهيبة، المعيارية الاستقرار الحيوية واختتاما بالاكتساب، وكذا الثنائية بنوعيها البسيطة و المركبة.

       واختتمنا هذا البحث بإيراد بعض الآثار الايجابية والسلبية لظاهرة الثنائية اللغوية، مطبقا إياها على الوضع اللغوي بمالي الحديث، ومذيلا بخرائط لسانية وجغرافية.

 


 

Région

Capitale

Surface/km2

Gao (nord)

Gao

170 572

Kayes (sud)

Kayes

119 743

Kidal (nord)

Kidal

151 430

Koulikoro (sud)

Koulikoro

95 848

Mopti (sud)

Mopti

79 017

Ségou (sud)

Ségou

64 821

Sikasso (sud)

Sikasso

70 280

Tombouctou (nord)

Tombouctou

496 611

Bamako (sud)

Bamako

252

 

RESULTATS NATIONAUX

Répartition de la population résidente et des ménages selon le sexe et la région (provisoire de 2009)

Régions

Nombre de ménages

Total

Nombre d’hommes

Nombre de femmes

Taux de masculinité (en %)

Kayes

308 794

1 996 812

984 805

1 012 007

49,3

Koulikoro

366 811

2 418 305

1 198 841

1 219 464

49,6

Sikasso

410 449

2 625 919

1 296 988

1 328 931

49,4

Ségou

391 116

2 336 255

1 155 841

1 180 414

49,5

Mopti

379 954

2 037 330

1 006 954

1 030 376

49,4

Tombouct

121 554

681 691

341 151

340 540

50,0

Gao

90 273

544 120

272 883

271 237

50,2

Kidal

12 739

67 638

36 386

31 252

53,8

Bamako

288 176

1 809 106

908 895

900 211

50,2

Total

2 369 866

14 517 176

7 202 744

7 314 432

49,6

 


 

 

 


مراجع البحث

1- أبو بكر إسماعيل مايقا، الحركة العلمية والثقافية والإصلاحية في السودان الغربي،  ط1، مكتبة التوبة 1997 (م ع س)

2- إسماعيل زنغو برزي، الأصوات والفعل بين العربية والبمنان، مقاربة تقابلية2007 ، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، فاس1.

3- الأمين أبومنقه محمد،  صوتيات لغات الشعوب الإسلامية في إفريقيا، منشورات ايسسكو 1999، الرباط.

4- بسام بركة معجم اللسانيات ، منشورات لجروس- برس، بيروت،1984.

5- عبد السلام مسدي، قاموس اللسانيات، الدار العربية للكتاب بلا سنة.

6- عبد الله عبد الماجد إبراهيم، الغرابة... ط1، 1998، دار الحاري،م.ع.س.

7- عبد المجيد سيد منصور،  علم اللغة النفسي، منشورات جامعة الملك سعود، الرياض، 1982.

8- قطب محمد سانو، النظم التعليمية الوافدة في إفريقيا... كتاب الأمة، ع 63، 1999، قطر.

9- محمد أحمد بدين، الفلاتة والفلانيون في السودان، مركز الدراسات الإفريقية، 1996، القاهرة.

10- محمود فهمي حجازي، مدخل إلى علم اللغة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1978 القاهرة.

11- ميشال زكريا، قضايا ألسنية تطبيقية، ط1، 1993، دار العم للملايين.

12- نافع العشيري، المشهد اللغوي المغربي ...2008، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، فاس1 .

13- نعيم قداح وآخر، إفريقيا الغربية في ظل الإسلام،  سلسلة الثقافة الشعبية 6 مصر.

14- هارون المهدي ميغا، دراسات إفريقية، ع 37، يونيو، 2007، الخرطوم.

15- مجموعة من الباحثين، الحضارة الإسلامية في مالي،  منشورات إيسسكو، 1996، الرباط.

مصادر أجنبية:

16 - André Martinet Eléments de liguistique générale, p : 148 , E : Armand colin, 1970, Pari

17-ARACIL, LL. (1965): conflit linguistique et normalisation linguistique dans l’Europe nouvelle, Nancy

18-BOUKOUS - Ahmed et autre, 1985, Du bilinguisme, Ed. Denoël, Paris

19-BLOOMFIELD  L. 1933, Le langage, Ed. Payot, Paris.

20-Collection, Lois et décrets de la décentralisation, Assistance de république, 4ed. nouvelle imprimerie Bamakoise 1999.

-21DNAFLA, Alphamali, 1993, Bamako.

22- DUBOIS  et autre, 1973 , Dictionnaire de la linguistique, Larousse, Paris.

23- G. DUMESTRE, 2003, Grammaire fondamentale de Bambara  Ed. Karthala Paris.

24- G.Dumestre, Strtégie communicative au Mali : langues régionales, Bambara- Frencais, Institut d’etudes créoles et Frencophone, Didier Edution, 1994.

25-KOUYATE Siriman,2006, La charte de Kurukan-Fuga Constitution de l’empire du Mali

26-Lexique de basse Bambarakan- Français ,2003, Fondation Karanta, Bamako.

27- LYONS Jh, 1970, Linguistique Générale ,Lib. Larousse, Paris

28-Caummaueth Reine ,La définition d’une stratégie rélative à la promotion des langues africaines         Unesco 1981, Guinnée.

29- SEFFREY Heath،1998, Dictionnaire Songhay – Anglais – Français, Harmattan.

30-TREFAULT Th, 1999, L’école Malienne à l’heure du bilinguisme, Agence intergouvernemental de le francophonie,Ed. S.Marquis Canada.

لقاءات شخصية مع:

     31 - جان كالفير تيره Jane calvère Thièra رئيس وحدة لغة بومو في قسم اللغات الوطنية وزارة التربية الوطنية.

32- كادير سانُوغو Kader Sanogo رئيس وحدة لغة (سيناره) (قسم اللغات الوطنية) وزارة التربية الوطنية.

33-  كانشي كويتا Kanchi Koïta مسؤول لغة (ماماراه) في معهد اللغات عبد الله باري

34- كبا جُوَرَه، ممثل لغة سركولي  في) C N R- ENF (المركز الوطني للبحث في التعليم غير الصريح.

35- لاسن دامبلي Lassine Dembelé  رئيس وحدة لغة البمنان ، (قسم اللغات الوطنية) وزارة التربية الوطنية.

36- ماما كونتاMama Konta رئيس وحدة "بوزو" في معهد اللغات عبد الله بري.

37- محمود أغ أويت : رئيس وحدة لغة الأمازيغية، (قسم اللغات الوطنية) وزارة التربية الوطنية.                                                     

38- همادون تامبوره  Hamadoun Tamboura رئيس وحدة لغة فلفلدي Peul، (قسم اللغات الوطنية) وزارة التربية الوطنية.

39- يوسف بيلو مايغا، ممثل صنغي في) C N R- ENF (المركز الوطني للبحث في التعليم غير الصريح.

40-Encarta 2006

41- Universialis V10 Ed.2005                                                                                     

www. Geocities.com -42

43- -www.idrc.ca

 www.tlfq.ulaval.ca4-4