الاثنين، 21 سبتمبر 2020

السياسة اللغوية في مالي

 


 

السياسة اللغوية في مالي

(من الإستقلال 1960 إلى 2000 م)


بحث مقدم لاستيفاء بعض الأعمال لنيل على درجة الفصل في اللسانيات الاجتماعية

للطالب: أمادو ميغا

تحت إشراف: أ.د. إسماعيل زنغو برزي

2019-2020

                              بسم الله الرحمن الرحيم




مقدمة:

الحمد لله المحمود بكل لسان، والصلاة والسلام على من أرسل إلى العالمين كافة وعلى الآل والصحابة.

وبعد:

فمنذ قديم الزمان اعتنى العلماء بدراسة اللغة؛ إنها من أعظم الاكتشافات التي عرفها الإنسان على مر العصور. ولا یمكن فهم اللغة وقوانین تطورها بمعزل عن حركة المجتمع الناطق بها في الزمان والمكان المعینین.

 يرى بعض علماء أن اللسانيات الاجتماعية هي اللسانيات بعينها لوجود علاقة وطيدة بين اللغة والمجتمع. إن اللغات كائنات حية تنمو وتتطور وتموت وتستبدل، وتؤكد هذه المظاهر أن اللغة تلازم الوجود الإنساني، فهي المؤسسة الأولى في المجتمع يتعامل معها الفرد ويخضع لها، فهي خلفية لسلوكياته ولجميع مناحي حياته الاجتماعية والاقتصادية والدينية أو بكلمة واحدة؛ حياته السياسية. ببقاء اللغة يبقى الفرد وبزول بزوالها[1].

عرفت الدراسات اللغوية نهضة علمية مع العالم اللساني فرديناد دي سوسيرFERDINAND DE SAUSSURE في نهاية القرن الثامن عشر على ضوء المنهج الوصفي بعد مرورها بمراحل كثيرة عند الهنود والإغريق والرمان والإفريقيين في مصر القديمة والعرب ولم تكن دراستها تتسم بالموضوعية حينها.

فعلم اللسانيات الحديثة تنقسم إلى اللسانيات العامة( النظرية) واللسانيات التطبيقية. وتندرج تحت كلا القسمين فروع أخرى. اللسانيات التطبيقية تعتبر تطبيق نظريات اللسانيات العامة على العلوم الأخرى أو دراسة هذه العلوم من خلال اللسانيات؛ و تعتبر اللسانيات الاجتماعية إحدى فروع اللسانيات التطبيقية.

اللسانيات الاجتماعية تدرس العلاقات القائمة بين اللغة والأفراد من جهة، وبينها وبين المعطيات الاجتماعية والوضعية الاجتماعية التي يوجد فيها الفرد، كما تتدخل اللسانيات الاجتماعية في وضع سياسات التخطيط اللغوي (السياسة اللغوية).

سنحاول في إطار هذا البحث الموجز إلقاء الضوء على العناصر التالية حول موضوع: السياسة اللغوية في مالي (من الاستقلال 1960 إلى 2000 م).

?                       نبذة عن جمهورية مالي

?                       ما هية السياسة اللغوية

?                       السياسة اللغوية في مالي: البعد القانوني

?                       السياسة اللغوية في مالي: البعد المؤسسي

?                       بعض الانجازات


 

ما هية السياسة اللغوية

تعريف السياسة اللغوية:

لغة:

السياسة بمعناه اللغوي مأخوذ من مادة: ساس، يسوس أي يقوم بعملية معالجة الأمور والشؤون بتسيير عملية التنظيم والترتيب للشؤون المتعلقة بالعام والخاص.

فهي الإجراءات والأساليب والطرق الخاصة باتخاذ القرارات من أجل الوصول لشكل تنظيمي جيد لشؤون الحياة في شتى مناحي المجتمعات البشرية؛ بدراسة الآليات الخاصة بكيفية صنع التوافق والإجماع والتراضي المشترك بين كافة التوجهات الخاصة بالبشر مثل التوجهات الاقتصادية أو الأمور الاجتماعية.

واصطلاحا نعني بالتركيب: السياسة اللغوية؛

إن مصطلح السياسة اللغوية مركب وصفي بسيط، ترجم إلى العربية عن مركب أجنبي الذي يقابل في الفرنسية LA POLITYIQUE LINGUISTIQUE و في الانجليزية LANGUAGE POLICY.

السياسة اللغوية هي الإجراءات التي تتخذها مؤسسا ت الدولة لمراقبة الوضع اللغوي والتحكم في مساره وضبط إيقاعه. وأشهر هذه الإًجراءات وأقواها هو اتخاذ المواد الدستورية والتشريعية المتعلقة بالحالة اللغوية في المجتمع، وهذه المواد الدستورية والتشريعية بمثابة الموجه لحركة التخطيط اللغوي في البلاد، وما يقتضيه من رسم وتنفيذ يسعى لإحداث تغيير في بنية اللغة ومنزلتها، أو في طريقة تعليمها، وهو مجال يهتم بجميع قضايا اللغة في علاقتها بالمجتمع؛ لذا يمكن القول إن السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي يجب أن يقعا بحكم طبيعة موضوعهما في صلب الاهتمامات العلمية للسانيا ت الاجتماعية، وإن كانا من الناحية الإجرائية يمثلان وجها أساسياً من أوجه "السياسة العامة" للدولة[2].

نبذة عن جمهورية مالي

جمهورية مالي دولة ساحلية في غرب أفريقيا. وتحدها الجزائر شمالا والنيجر شرقا وبوركينا فاسو وساحل العاج في الجنوب وغينيا من الغرب والجنوب، والسنغال وموريتانيا في الغرب. تزيد مساحتها عن 1,241,238 كم.

 عاصمتها باماكو، ويتكون مالي من عشرة أقاليم إدارية حاليا. ويتمحور التركيز الاقتصادي في البلاد حول الزراعة وصيد الأسماك. ويوجد في مالي بعض الموارد الطبيعية مثل الذهب والملح وغيرها[3].

مالي الحالية عرفت من قبل امبراطوريات أفريقية غربية، سيطرت على التجارة عبر الصحراء؛ مثل مملكة غانا ومالي وصونغاي والمملكة الفلانية في ماسينا وكذالك البمبارية في سيقو. استولت فرنسا على مالي أثناء الزحف على أفريقيا أواخر القرن التاسع عشر، وجعلتها جزءا من السودان الفرنسي. نالت السودان الفرنسية على استقلالها في سنة 1959 مكونة مع السنغال: اتحاد مالي FEDERATION DU MALI . انحل عقد الاتحاد بعد عام من تأسيسه في أعقاب انسحاب السنغال، فأعلنت الجمهورية السودانية سيادتها الدولية باسم جمهورية مالي عام 1960.

جل لغات مالي كانت لغات إدارية في ظل الامبراطوريات والممالك المتعاقبة، لذا بادرت الجمهورية الأولى في فترة مبكرة إلى اتخاذ قرارات سياسية وإصلاحات مهمة في مجال التربية في شأن لغاتها الوطنية منذ 1962.

السياسة اللغوية في مالي: البعد القانوني

جميع القرارات القانونية والمؤسسية المتخذة في إطار التخطيط اللغوي في مالي هي نتيجة لالتزام سياسي من مختلف السلطات في البلاد.

التوجيهات التي كلفت بها المؤسسات للتخطيط اللغوي في مالي مستمدة من النصوص القانونية الموضوعة لتعزيز اللغات الوطنية وتطويرها. وأدى تطبيق هذه النصوص بشكل عام إلى إنشاء هيئات مختصة ومشاريع وبرامج لتطوير اللغات الوطنية. فاتخذت نصوص قانونية عديدة متعلقة بالتخطيط اللغوي في مالي منذ عام 1962.

-            تحقق الالتزام الدولي لجمهورية مالي بمفهوم محو الأمية الوظيفية بموجب المرسوم رقم 70 / PG-RM المؤرخ 12 مايو 1967 بشأن تنظيم التعليم، وهو نص يوصي بمحو الأمية الوظيفية التي تهدف إلى التدريب المهني للمتعلم وتأهيلهم للعب دورهم بفعالية في المجتمع.

-            لتنفيذ هذا القرار في شأن محو الأمية الوظيفية، حدد المرسوم رقم 85 / PG-RM المؤرخ 26 مايو 1967 الحروف الهجائية للغات التالية: بمنان، فولفولدي، صنغاي وتاماشيك. أتاح هذا المرسوم بشأن الحروف الهجائية تصميم كتب محو الأمية الوظيفية باللغات الوطنية الأربع المختارة.

في أعقاب المؤتمر الوطني الثاني للتعليم التي عقد في باماكو عام 1978 تمت المطالبة بإدخال اللغات الوطنية في نظام التعليم الرسمي.

-             المرسوم رقم 159 / PG-RM المؤرخ 19 يوليو 1982 يمنح صفة اللغة الوطنية لعشرة من لغاتنا. تم بالفعل صياغة هذه اللغات الوطنية العشرة وتزويد كل منها بقواعد الأبجدية والكتابة واستخدامها كوسيلة لمحو الأمية في مشاريع وبرامج التنمية الريفية. كانت هذه هي اللغات الوطنية التالية: بمنان، بومو، بوزو، دوغوصو، فولفولدي، مامارا، سونينكي ، صنغاي، سينارا وتاماشيك. وقد تم بالفعل إدخال بعضها في التعليم الرسمي على أساس تجريبي في وقت مبكر من عام 1979 ، في تطبيق لتوصيات الحلقة الدراسية الوطنية الثانية حول التعليم.

 

بعد عشر سنوات من توقيع المرسوم الذي يمنح وضع اللغة الوطنية لعشر لغات من لغاتنا ، ينص دستور مالي لعام 1992 على مبدأ الترويج وإضفاء الطابع الرسمي على اللغات الوطنية.

 

بعد أربع سنوات من اعتماد دستور عام 1992 ، صدر القانون رقم 96-049 المؤرخ 23 أغسطس 1996 بشأن الترويج لـ 13 لغة وطنية. هذه هي: بامانانكان ، بومو ، بوزو ، ديجوسو ، فولفولدي ، هاسانيا ، مامارا ، مانينكانكان ، سونينكي ، سويوي ، سينارا ، تاماسامات وكسا سونغاكسانو.

 

ينص القانون رقم 99-046 المؤرخ 26 ديسمبر 1999 بشأن قانون التوجيه في التعليم ، في الفصل الأول ، الفصل الثاني ، المادة 10 ، على أن التعليم مقدم باللغة الرسمية وباللغات الوطنية. يتم تحديد شروط استخدام اللغات الوطنية والأجنبية في التعليم بمرسوم من الوزراء المسؤولين عن التعليم.

لتطبيق هذه القوانين والمراسيم التي ميزت تطور التخطيط اللغوي في مالي ، تم إنشاء المؤسسات المقابلة و / أو تعزيزها تدريجياً. هذه المؤسسات كانت مسؤولة عن تطوير وتنفيذ البرامج والمشاريع القادرة على تعزيز اللغات الوطنية والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد.

مالي من بين البلدان الأفريقية المستفيدة من البرنامج التجريبي لمحو الأمية في العالم (PEMA) الذي أطلقته اليونسكو بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. من أجل إدارة هذا البرنامج الهام لمحو الأمية الوظيفية ، تم إنشاء المركز الوطني لمحو الأمية الوظيفية (CNAF) في عام 1967. في الفترة من 1967 إلى 1972 ، سيقوم هذا الهيكل المركزي بتنفيذ أول برنامج وطني باستخدام اللغات المحلية مع فروعها على الصعيدين الإقليمي ودون الإقليمي ، وهي المديريات الإقليمية لمحو الأمية الوظيفية ومراكز محو الأمية الوظيفية (CAF).

عندما انتهت صلاحية PEMA ، تم إنشاء المعهد الوطني لمحو الأمية الوظيفية واللغويات التطبيقية (INAFLA) في عام 1973 لتولي مسؤولية من CNAF.

في نفس الوقت ، لتعزيز نجاح PEMA ، قررت السلطات العامة دمج عنصر محو الأمية في جميع عمليات التنمية الريفية (ODR) ، بهدف تحسين تدريب المنتجين وتنظيمه.

بعد أقل من عامين من إنشائها ، تم استبدال INAFLA في عام 1975 بالمديرية الوطنية لمحو الأمية الوظيفية واللغويات التطبيقية (DNAFLA). من خلال قسم البحوث اللغوية والتربوية (DRLP) ، تعد DNAFLA مسؤولة عن إجراء البحوث بغرض ، من ناحية ، تطوير أساليب جديدة لمحو الأمية الوظيفية وتدريب الكبار ، ومن ناحية أخرى من ناحية أخرى ، استيفاء الشروط العلمية والتقنية اللازمة لإدخال اللغات الوطنية كمواد ووسائط للتدريس في نظام التعليم الرسمي.

 

بعد مرور أكثر من عقدين على إنشائها ، في إطار "إعادة تأسيس نظام التعليم" و "برنامج تطوير التعليم العشري" (PRODEC) ، خضعت DNAFLA لانفجار يولد ثلاثة هياكل جديدة مسؤولة عن الترويج للغات الوطنية ولديها صلاحيات إضافية. هذه الهياكل هي: DNEB ، CNR-ENF و ILAB.

 

 تضم المديرية الوطنية للتعليم الأساسي (DNEB) ، التي تم إنشاؤها في عام 2000 ، قسمين ، أحدهما مسؤول عن محو الأمية الوظيفية والآخر في مراكز التعليم من أجل التنمية (CED). وفقًا لإرشادات PRODEC ، يتم إنشاء هذه الأقسام ، وهي الأولى لتحسين جودة التعليم من خلال إدخال اللغات الوطنية في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي ، والثانية لمحو الأمية وتدريب الأطفال خارج المدرسة و خارج المدرسة من 9 إلى 15 سنة.

 

تم إنشاء المركز الوطني لموارد التعليم غير الرسمي (CNR- ENF) في عام 2001 للمساعدة في تنفيذ السياسة الوطنية للتعليم غير الرسمي.

قام معهد عبد الله باري للغات (ILAB) ، الذي تم إنشاؤه عام 2001 ، بالمهام التالية:

 

. المساهمة في تعريف سياسة اللغة في مالي ، لا سيما في المجالات التعليمية والثقافية والاجتماعية والإدارية وفي تنفيذ هذه السياسة ، ولا سيما من خلال البحوث العملية ؛

 

. تحديد وتعزيز جميع اللغات الوطنية المعتمدة في المجالات الاجتماعية اللغوية في البلاد ؛

 

. تعزيز التعاون مع البلدان الأفريقية الأخرى ، ولا سيما مع أولئك الذين يتقاسمون لغة واحدة على الأقل مع مالي.

بناءً على توصية المنتدى الوطني للتعليم من أكتوبر إلى نوفمبر 2008 ، سيتم إنشاء ILAB كأكاديمية مالية للغات بهدف تعزيز استخدام اللغات الوطنية في جميع مجالات الحياة العامة.

 

تجدر الإشارة أيضًا إلى أن المركز الوطني للتعليم (CNE) ، والذي أصبح "التوجيه الوطني لعلم أصول التدريس" (DNP) ، والذي تم إنشاؤه في عام 2000 ، تضمن قسم "اللغات والاتصالات" ضمن قسم "المناهج". ". كان دور هذا القسم هو تصميم وتطوير الكتب المدرسية باللغات الوطنية.

 

في الآونة الأخيرة ، تم إنشاء المديرية الوطنية للتعليم غير الرسمي واللغات الوطنية (DNENF-LN) للتو في عام 2011.

الوضع الحالي للغات الوطنية

 

تمر اللغات الوطنية حاليًا بفترة تتميز بزيادة الميل لاستخدامها في جميع مجالات الحياة العامة واستمرار العقبات المختلفة. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الوسائل المحدودة للغاية لمؤسسات البحث اللغوي ، إلى عدم كفاية التنسيق بين المشاريع والبرامج للترويج للغات الوطنية وكذلك إلى بعض التردد ، حتى المقاومة من بعض الدوائر التي ، رغم أنها في الأقلية ، تبقى مؤثرة ومعادية لاستخدام اللغات الوطنية في الفضاء العام



[1] - راجع: هدى الصيفي؛ علاقة السياسة اللغوية بالتخطيط اللغوي، بحث م قدم لاستكمال متطلبات الماجستير في اللغة العربية وآدابها، جامعة قطر،2014-2015.

[2] - راجع: هدى الصيفي؛ علاقة السياسة اللغوية بالتخطيط اللغوي، ص: 30،  المرجع السابق.

[3] - أنظر: https://ar.wikipedia.org/wiki


هناك تعليقان (2):

  1. ماشاء الله.
    جهود مشكورة

    ردحذف
  2. جهود مشكور هذا يبقى مدخلا لكل من يأتي بعدكم، حفظكم الله للأمة

    ردحذف